في الوقت الذي يتم فيه إشغال شعوب المنطقة في قضايا مُفتعلة وأخطار وهمية على حساب قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة، أو إلهاؤهم في أمور ثانوية تجعلهم يتطاحنون داخلياً، ويهدرون وقتهم وجهدهم في أحاديث سفسطائية حول قضايا خلافية يعود تاريخ بعضها لقرون سحيقة، فإن الحكومات تُنفذ إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين عن طريق ما تُسميه "خططا تنموية"، والتي تقوم على أساس تنفيذ برامج الخصخصة الشاملة، أي بيع أصول الدول وأملاكها على مجاميع تجارية عائلية، (الغالبية العظمى من شركات القطاع الخاص في دول مجلس التعاون هي عبارة عن شركات عائلية)، تعتمد في وجودها واستمرارها ونموها على الإنفاق العام ودعم الدولة، فضلا عن فرض ضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة، وفرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم الحالية، وتقليص الدعم الاجتماعي الضروري أو إلغائه. وفي الوقت الذي ينشغل فيه عامة الناس والقوى الحيّة في مجتمعاتنا في أحاديث دائرية مُستهلكة وعديمة القيمة، فإن الفساد السياسي يستشري، والحكومات تمضي قدماً في تكبيل دولنا وشعوبها بديون خارجية مخاطرها كثيرة، ومن غير المعروف، على وجه الدقة، كيف سيتم سداد فوائدها، أي خدمة الدين العام التي قد تتجاوز، في بعض الأحيان، قيمة الدين ذاتها، هذا ناهيكم عن مدى قدرة الدولة على سدادها في المستقبل القريب، حيث إن معظم الديون الخارجية لا تُموّل مشاريع ذات جدوى اقتصادية بحيث يتم تسديدها بسرعة، ولا يقابلها إنتاج أو تصدير، كما أنها لا تعود بالنفع على المجتمع كأن تساهم في فتح فرص عمل جديدة، أو تعالج مشاكل عامة مثل مشاكل التعليم والصحة والإسكان، فكيف، يا تُرى، سيتم تسديدها؟ ومن سيتحمل الفاتورة في المستقبل عندما تعجز الدولة عن السداد مثلما حصل، على سبيل المثال لا الحصر، في اليونان قبل سنوات قليلة؟
ليس ذلك فحسب، بل إنه في الوقت الذي تقوم فيه بعض الأطراف الداخلية المتنفذة والمتصارعة والتي تحتكر وسائل الإعلام، بإثارة مواضيع عنصرية وطائفية تجعل عامة الناس يتطاحنون داخلياً ويختلفون حول أصولهم، وطوائفهم، وأقدمية وصول أسلاف أسلافهم لأرض الوطن، فإن المخاطر التي تُهدّد وجودنا دولاً وحكومات وشعوباً تُحيط بنا من كل جانب، فالإقليم يغلي بدرجة عالية وغير مسبوقة، ويبدو أن إعادة تقسيم المنطقة على الأبواب. علاوة على أن مصانع الأسلحة الغربية ووكلائها المحليين يعقدون مع حكوماتنا صفقات تسليح مليونية من أجل معالجة أزمتها المالية الخانقة، مما سيؤدي إلى استنزاف الثروات الوطنية والميزانيات العامة التي تزعم الحكومات أنها تعاني عجزا ماليا فعليا جعلها تلجأ للاستدانة الخارجية أو الدين العام، وبيع الأصول العامة بأبخس الأثمان، وتخفيض أو إلغاء الدعوم الاجتماعية الضرورية! فهل تنتبه شعوبنا وقواها الحيّة للقضايا المعيشية والوطنية المصيرية والمشتركة حاضراً ومستقبلاً بدلاً من إضاعة الجهد والوقت الثمينين في قضايا هامشية أو وهمية لا قيمة لها؟!
مقالات
سياسة إشغال الناس بأنفسهم!
17-04-2017