لمَ يبدو بوتين أكثر تورطاً في سورية من أن يتخلى عن الأسد؟
صحيح أن التطورات لم تسِر كما يرغب بوتين في سورية، إلا أن الأسد ما زال أكثر قيمةً من أن يتخلى عنه، وإذا كان تيلرسون يخطط لمخاطبة «حس اللباقة» الروسي، فلن ينجح ذلك في إقناع قائدٍ لم يستثمر مقداراً كبيراً من الدم والمال في سورية فحسب، بل وظّف أيضاً مقداراً متنامياً من هيبة رئاسته.
خمس سنوات من الرأسمال السياسي، وأكثر من مليون طن من الأسلحة، وعشرات المليارات من الدولارات، ودور روسيا كوجود إقليمي مهيمن وقوة عالمية صاعدة، كل هذه تصبح عرضة للخطر إذا تخلى بوتين عن الرئيس السوري.يواجه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون هذا التحليل، فيما يسافر إلى موسكو ليحاول إقناع الرئيس الروسي بالتخلي عن دعمه للأسد عقب الهجوم الكيماوي الذي نُفذ الأسبوع الماضي في خان شيخون.قُبيل أول قمة رفيعة المستوى بين روسيا والولايات المتحدة منذ انتخاب ترامب، كثُرت الآمال بأن تشكّل هذه الفظائع محفزاً للتغيير في بلد دمرته الحرب وخذلته السياسات العالمية.
ولكن لا شك أن هذه الآمال ستتحطم على الأرجح، ففي مختلف مراحل هذا الصراع، وخصوصاً بعد تعزيز الكرملين دعمه للأسد في شهر سبتمبر عام 2015، تتبع روسيا استراتيجية «الفوز مهما كلّف الثمن»، التي تنتهك باستمرار حدود الحرب العصرية، وتدفع بنظام الأسد إلى موقع المنتصر في ساحة القتال.ولكن بدل أن تنحى روسيا بموقفها إلى الاعتدال ازدادت تورطاً، فدفعت بدبلوماسييها إلى الادعاء أن واشنطن تتعاون مع الإرهابيين وبشركات حكومية تزيّف الحقائق على شبكة الإنترنت إلى صوغ روايتها، وكل ذلك بالحماسة ذاتها التي أعربت عنها قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر. لا نشهد أي ميل في موسكو إلى التنازل للولايات المتحدة عن أي مكاسب في سورية، كذلك تشير الحسابات إلى أن تيلرسون لن يضغط بقوة في مطلق الأحوال، ومن المرجح أن يكون ادعاء تيلرسون أن روسيا «أخفقت في التقيّد بالتزامها تجاه المجتمع الدولي» واعتقاد الولايات المتحدة أن موسكو كانت متساهلة في إشرافها على سحب المخزون السوري من السارين مطروحان على الطاولة خلال اجتماع الأربعاء.ولكن باستثناء المعلومات التي قد يقرر تيلرسون الكشف عنها في اللقاءات الخاصة، يبدو أن إدارة ترامب لا تملك تأثيراً كبيراً.من وجهات النظر التي لا تزال واسعة الانتشار في المنطقة أن الضربة الجوية الأميركية ربما فاجأت بوتين وأظهرت أن القائد الأميركي أكثر تقلّباً مما يتوقع الأسد، إلا أن سورية شكّلت فرصة لاستعراض العضلات وأتاحت للوافد الجديد أن يحجز مكاناً له على الطاولة.مع غياب سلف ترامب الذي نأى بالولايات المتحدة عموماً عن صراعات الشرق الأوسط، نجح بوتين في المناورة وإيصال روسيا إلى موقع مميز على المستوى الجيو-سياسي في المنطقة، إذ يدين له الأسد بسبب الدعم العسكري الذي قدمه له في هذه الحرب والذي قرّب، مع الدعم الإيراني، القائد السوري من النصر العسكري، كذلك تحالفت تركيا مع موسكو، ونتيجة لذلك ما عادت الولايات المتحدة تملك هامش تحرّك كبيراً حتى لو أراد ترامب ذلك.صحيح أن التطورات لم تسِر كما يرغب بوتين في سورية، إلا أن الأسد ما زال أكثر قيمةً من أن يتخلى عنه، وإذا كان تيلرسون يخطط لمخاطبة «حس اللباقة» الروسي، فلن ينجح ذلك في إقناع قائدٍ لم يستثمر مقداراً كبيراً من الدم والمال في سورية فحسب، بل وظّف أيضاً مقداراً متنامياً من هيبة رئاسته، لذلك يعتبر عدد كبير في سورية أن التعويل على أن يكون ترامب أو توتين من أنصار الإنسانية رهان خاسر.* «مارتن تشولوف»