يُعنى الفصل الأول في «ماذا يجري في سورية» بتبيان طبيعة النظام السياسي في سورية خلال الفترة 1970-2000، من حيث ولادته وبنيته وتحالفاته والمراحل الثلاث التي مر بها: الأولى (1970-1975)، والثانية (1976-1990)، والثالثة (1991-2000).

ويختص الفصل الثاني بتسليط الضوء على جذور الأزمة السورية من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فالأزمة السورية لم تكن وليدة لحظة انفجارها، بل نتاج سياسات وممارسات تراكمت عبر عقود، وتقاطع فيها الفعل الاقتصادي بالفعلين الاجتماعي والسياسي.

Ad

أما الفصل الثالث من الكتاب فيتناول بدايات الحراك السياسي الذي انطلق في أعقاب خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب بتاريخ 17 يوليو 2000، والمطالب التي تقدم بها، والمبادرات التي اتخذها، والهياكل التنظيمية التي شكّلها، والعقبات التي واجهها. كذلك يتطرّق الفصل الثالث إلى الحركات الاحتجاجية التي اندلعت في 18 مارس 2011، وتصاعدها واتساع رقعتها، فضلاً عن إشارته إلى أطياف المعارضة السورية التقليدية وهياكلها التنظيمية ومواقفها من قضايا الحوار مع النظام، وتسليح المعارضة واستخدام العنف والاستعانة بالخارج. ولا يغفل الفصل الثالث بطبيعة الحال تعامل النظام السوري مع حركة الاحتجاجات، ودور القوى الإقليمية والدولية في الأزمة السورية.

ويتضمن الفصل الرابع عرضاً مكثفاً لحصيلة الأزمة السورية، لا سيما لجهة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمجتمعية، ويتعرض للتحديات التي تواجه سورية بعد انتهاء الأزمة في إطار عملية إعادة الإعمار.

ليس تأريخاً

ينوه الكاتب عبد القادر النيّال بأن هذا الكتاب ليس تأريخاً لفترة مهمة من تاريخ سورية الحديث (1970-2000)، فتلك مرحلة غنية بالحوادث وحافلة بالإنجازات والإخفاقات، لم يتطرق إليها إلا بالقدر الذي يساعد على فهم الأزمة السورية. كذلك ليس تأريخاً للحراك السوري رغم أنه يحتوي على وثائق ومعلومات مهمة كثيرة تلقي ضوءاً عليه، فالحرائق السورية ما زالت مشتعلة ولم يخمد أوارها بعد.

يجدر التنويه إلى أن الكاتب لم يكن بعيداً عما كان يجري من حوادث سياسية في سورية، لا سيما منذ مطلع عام 1963، بل شارك من موقع متقدم في بعض مفاصلها، وظلّ يتابع وقائعها عن قرب ويعبر عن آرائه بشأنها بروية ومن دون استفزاز. كذلك رافق من الداخل الحراك السياسي منذ بداياته في مطلع عام 2000، وكانت له علاقات وثيقة ونقاشات جادة مع كثير من رموزه الوطنية قبل التحاق بعضها بالخارج، وانخرط في بعض مبادرات اتخذها بعض نشطاء لجان إحياء المجتمع المدني. من ثم، حرص الكاتب على مراعاة الموضوعية في عرضه الوقائع، وطرح وجهات النظر المختلفة حيال القضايا الخلافية. واعتمد في قراءته الحوادث على مراجع ووثائق ودوريات تعكس وجهات نظر متباينة.

أسئلة

الكتاب محاولة لفهم ماذا يجري في سورية، ويطرح أسئلة من بينها: هل هي مؤامرة حاكتها قوى إقليمية ودولية ضد نظام رفض الانصياع إلى الإملاءات الخارجية، وأصرّ على التمسك باستقلالية قراره الوطني، وانتهج المقاومة سبيلاً لتحرير الأراضي المغتصبة وللحفاظ على سيادة واستقلال البلاد؟ أم أن ما يجري هو صراع بين قوى دولية وإقليمية حول مصالح ومشاريع لتقاسم النفوذ وإعادة رسم خريطة المنطقة؟

وهل الحراك السوري تعبير عن احتجاج الفقراء والمهمشين والنخب المثقفة والمحبطة على الفساد واحتكار الثروة وغياب الحياة السياسية والتضييق على الحريات وفقدان تكافؤ الفرص وانسداد الأفق؟ أم أنه منتج صُنع في الخارج ليقوم بوظيفة حصان طروادة لأخذ سورية من الداخل؟

وهل المجموعات التكفيرية الإرهابية هي رد على (مظلومية) الطائفة السنية المفترضة؟ أم أنها أدوات جرى تعبئتها وتدريبها وتمويلها وتسليحها من دول إقليمية وغربية للاشتغال على الانقسامات الدينية والطائفية والمذهبية، لخلق حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي تفضي إلى انهيار الدولة لمصلحة من يدعم تلك المجموعات ويقف وراءها؟

لكل من تلك الأسئلة أكثر من جواب، ما يجعل انتقاء واحد منها مهمة بالغة الصعوبة. ومع ذلك، لا غنى عن المحاولة لفهم ماذا يجري في سورية، وهو ما يطمح إليه هذا الكتاب.