مغامرة بكل تأكيد أن تبدأ شركة إنتاج باكورة أعمالها بتبني مخرج شاب هو روماني سعد يخوض تجربة إخراج الأفلام الروائية الطويلة للمرة الأولى من خلال «ممنوع الاقتراب والتصوير»، الذي كتبه وأخرجه وقدّم من خلاله رؤية جديدة للواقع مزج فيها بين الكوميديا والسخرية اللاذعة. تبدأ الأخيرة بفكرة تتحدث عن البطلة «ثريا عابدين العنتبلي» (ميرفت أمين)، التي يحكم لها القضاء باسترداد «فيلا» ورثتها عن جدها واستولت عليها الدولة، وخصصتها لأحد أقسام الشرطة، كأصول عقارية كثيرة صودرت وأمّمت في عهود حكم سابقة!المفارقة الطريفة أن المخرج اعتمد على واقعة سابقة أعلن فيها النجم المصري حسين فهمي، في حوار مع فضائية مصرية، أن عائلته الأرستقراطية تعرضت لتأميم ممتلكاتها، عقب ثورة 23 يوليو 1952، ومن بينها ضاحية حلوان، التي تضم محطة القطار، بالإضافة إلى قسم حلوان، ومنزل تحول إلى مدرسة، وأن العائلة رفعت قضية كسبتها، كما حصلت على تعويض من وزارة التربية والتعليم عن تحويل المنزل إلى مدرسة، وهي قضية التقطها المخرج، واتخذ من واقعة الاستيلاء على قسم الشرطة موضوعاً لفيلمه، الذي كان يمكن أن يتحول إلى فيلم كوميدي ساخر؟ لكن المخرج لم يقطع الشوط إلى نهايته، وبدا وكأن اعتبارات ما، من بينها الرقابة، حالت بينه وبين الانطلاق والتحرر بشكل أكبر في معالجته الدرامية، التي كانت تحتاج إلى جرعة خيال أكبر!
اعتمد المخرج على البطولة الجماعية في تناوله للفكرة، ويُحسب له توظيف قدرات ممثليه بشكل جديد ومبتكر، كما فعل مع الممثل الشاب طارق الأبياري وأيضاً يسرا اللوزي، ومحمد الصاوي في شخصية المحامي «فتوح»، فضلاً عن النجمة الكبيرة ميرفت أمين، التي سعى المخرج إلى تفجير طاقتها الكوميدية، لكن أداؤها اتسم بالمبالغة والتشنج، على عكس بيومي فؤاد، الذي جسد دور مأمور القسم «حمادة الصيفي»، الذي فوجئ بأن عليه، بحسب تعليمات صادرة عن قيادته، بتسليم إحدى غرف القسم للسيدة «ثريا» وعائلتها المكونة من زوجها «عبد اللطيف» (زكي فطين عبد الوهاب) مدير الحسابات السابق، الذي أحيل إلى المعاش، والابنة «فريال» (يسرا اللوزي)، والابن طبيب التخدير «فاروق» (طارق الإبياري)، والابن الأوسط الرسام «فؤاد» (محمد مهران)، والأصغر «عابدين» (الطفل يوسف إبراهيم)، وزوجة الابن «ياسمين» (نور قدري)، التي تحاول الاقتداء بحماتها، بكل ما ترتب على هذا من إخلال جسيم بانضباط وصرامة القسم الممثل للنظام والقانون، إذ أصبح من حق العائلة ممارسة طقوسها الاجتماعية، واليومية، كالاحتفال بـ «اسبوع» آخر سلالة العائلة، وخطوبة «فريال» على سطح القسم!مواقف كثيرة كان يمكن، في حال إفساح المجال لها، أن تفجر الوضع برمته، وتحيل فيلم «ممنوع الاقتراب أو التصوير» إلى «مسخرة» بمعنى الكلمة أو «موريستان»، مستشفى مجانين، حسب تندر معاون المباحث «عادل الشناوي» (ياسر الطوبجي)، لكن المخرج / الكاتب بدا محدود الخيال، مُكبل الإبداع، نظراً إلى اهتمامه بأن يحشد أسلحته كافة وقدراته في تجربته الأولى، ما حد كثيراً من انطلاقته، وحجَم طموحه المشروع في أن يكون نسخة عصرية من فطين عبد الوهاب. فإقحام النقد السياسي، كالحديث عن الخصخصة التي شردت العمال، وأدت إلى تفاقم البطالة (الزوج «عبد اللطيف»)، والتعامل الشرطي بكثير من اللامبالاة مع ظاهرة التحرش، وإهمال قضايا الاختفاء القسري (السيدة التي تبحث عن ابنها- لاشينة لاشين)، والدعارة («سمر» فتاة الدعارة - رشا الخطيب) والباعة الجائلين (مونولوج «علي» أشرف طلبة) بالإضافة إلى كثرة الشخصيات الدرامية («فاتن عشه» - مروة الأزلي) و{غباشي النقاش» (هاني حسن الأسمر)، أثقلت كاهل الفيلم، وزادت العبء على المتلقي، وحالت بينه وبين الاندماج الكامل مع رؤية الفيلم وأحداثه بينما كان يمكن الاعتماد على التكثيف كسبيل للوصول إلى حالة إبداعية أفضل، ونتيجة فنية أجمل، خصوصاً أن المخرج أثبت قدرة كبيرة على استثمار فريقه التقني (مدير التصوير يوسف بارود ومصممة الملابس دينا فتحي والديكور حسين بكري)، كما يُحسب لشركة الإنتاج اختيارها الراقي لموضوع الفيلم!لا يمكن بالطبع تجاهل الكوميديا المحترمة التي حرص الفيلم على تقديمها، ونجح في بلوغها، بفضل التوظيف الجيد لإمكانات أيمن منصور في دور الضابط «ثروت» وإيمان السيد في دور «كريمة بطايق» المسؤولة عن استخراج بطاقات الهوية، وياسر أوتاكا في دور «ماكينة». لكن الجرعة بدت ناقصة، ولم تكتمل، رغم جرأة الرسالة التي تقول إن «مصر تحت الحراسة والتأميم والمصادرة»، بدليل النهاية الساخرة التي تفيد بصدور حكم قضائي جديد للبطلة بأحقيتها في استرداد قصر «الرئاسة»!
توابل - سيما
«ممنوع الاقتراب والتصوير»!
17-04-2017