المجاعة في اليمن والصومال!
يبلغ عدد سكان اليمن 24 مليون نسمة، منهم عشرة ملايين تحت خط الفقر، وعشرة ملايين فقراء ولسنا بصدد تعريف الفقر وتحت خط الفقر، وموارد اليمن الأساسية في الأوقات العادية محدودة جداً، فما بالك في أوقات الحروب والأزمات؟ إن الأموال التي صرفت على الحروب الأخيرة في اليمن من إيران وغيرها تكفي لإغاثة وإعاشة الشعب اليمني لعقود، أو لبناء مشاريع إنتاجية استراتيجية يستفيد منها الشعب اليمني على المدى الطويل، وما ينطبق على اليمن ينطبق على الصومال، فاليمن خاصرة الجزيرة العربية، والصومال أكبر دولة عربية في القرن الإفريقي وكلتاهما تشرفان على مضيق باب المندب مدخل البحر الأحمر. يبلغ عدد سكان الصومال أكثر من عشرة ملايين، منهم ثمانية ملايين فقير وتحت خط الفقر، وكذلك موارد الصومال محدودة في الزراعة والرعي والتجارة، والحروب في السنوات الأخيرة أنهكت الشعب، كما حدث ويحدث في اليمن، وتلك الحروب تتدخل فيها مصالح دولية وإقليمية سياسية وأيديولوجية واقتصادية، وإرهاب القاعدة والحوثيين في اليمن وجماعة الشباب المسلم في الصومال يضرب أطنابه في البلدين، وأصبح يعيش على مصادر دعمه الآلاف من البلدين ومن خارجهما. وقوى الخير والوطنية في البلدين تحاول جاهدة مواجهة معارك طاحنة من الحروب شبه الدائمة والإرهاب السافر والمقنع، والتخلف التاريخي، وعدم الاستقرار السياسي والتدخل الخارجي في شؤون البلدين، وضرب سيادتهما تحت أسباب لا مبرر لها، عدا بعض المحاولات الجادة لمساعدة البلدين على فرض الشرعية والسيادة، ورفض التدخل والتمدد الخارجي فيهما إقليمياً ودولياً.
اليمن والصومال جرحان ينزفان في خاصرة الوطن العربي، وموقعاهما استراتيجيان ليس خاصاً بهما بل بكل العرب ولكل العرب، ويجب ألا تستفزنا الحروب فيهما لندرك ذلك، بل من الطبيعي أن نهتم بهما على الدوام في حالة السلم والحرب. إن الأمن العربي متكامل، فالوطن العربي محاط بالبحار، وجسر لعبور التجارة الدولية بين الشرق والغرب على الدوام، وهو مهم من الناحية الاستراتيجية لدوله ودول الإقليم المحيطة به والعالم، ليس في الحقبة النفطية فحسب بل في القرون السابقة، وهو كذلك الآن وسيبقى يحمل تلك الأهمية في المستقبل. وعندما نتحدث عن اليمن والصومال وإشرافهما على مضيق باب المندب فأحدهما في جنوب الجزيرة العربية والآخر في القرن الإفريقي، فنحن نتحدث عن أمنهما وأمن دول البحر الأحمر، وأمن التجارة المارة في قناة السويس من الشرق إلى الغرب، وعندما نتحدث عن خطر الاستيطان الصهيوني وإسرائيل فليس محصوراً بفلسطين بل على امتداد الوطن العربي ويهدد الأمن العربي ومصادر المياه والطاقة فيه، لذلك عندما نتحدث عن الفكر الاستراتيجي علينا أن نتجرد من النظرة الضيقة لتمتد إلى الأمن العربي ككل، والأخطار التي تهدد جغرافيته وأمنه ومصادره الاقتصادية ومستقبل أجياله. ولما كنا بصد الحديث عن اليمن والصومال فالمطلوب الآن تحرك حكومات الخليج لاتخاذ قرار مهم يسمح للعمالة اليمنية والصومالية بالعمل في دول مجلس التعاون الخليجي أولاً، ثم الدعم المادي للبنية التحتية في الدولتين خصوصا في مجالات التعليم والمياه والزراعة. إن المسألة ليست مقتصرة على بعض المساعدات الغذائية أو غيرها، بل يجب على الحكومات والجمعيات والمبرات الخيرية التي وصلت إلى أقاصي الأرض ولم تصل بفاعلية إلى اليمن والصومال أن تفعل عملها على المدى الطويل لأطفال البلدين ومستقبل حياة الناس. نعرف أن هذه الكلمات صرخة قد تذهب ذهاب الريح، وقد يكون لها تأثيرها، ولكن علينا أن نقولها، ولا خير فينا إن لم نقلها، لأن الفساد في بعض دولنا يصل هدره إلى مليارات الدولارات التي يمكنها أن تساهم في إنقاذ الشعبين، وهذه الكلمات دعوة إنسانية وهذا أضعف الإيمان.