خلال زيارة قام بها الفنان المصري أحمد عبد القادر إلى دمشق عام 1953، تعرّف إلى شعر نزار قباني ولفتته قصيدة «كيف كان»، فلحّنها وغناها. وبعد سنوات، تحديداً عام 1958، اختار المطرب والملحن السوري نجيب السراج قصيدة «بيت الحبيبة» لقباني ولحّنها وغناها أيضاً، ثم غنّى له «العيون الفيروزية»، وكان أول من عرّف الشاعر السوري إلى محمد عبد الوهاب، الذي أعجب بشعره ورأى فيه غنائية توحي بالألحان. هكذا لحّن الموسيقار المصري عام 1960 قصيدة «أيظن» وغنتها نجاة الصغيرة، وفي ما بعد لحّن لها قصيدتي «أسألك الرحيل» و«ارجع إلي». كذلك غنّت نجاة الصغيرة قصيدة «لا تنتقد خجلي الشديد» من ألحان كمال الطويل.

وفي عام 1967، لحّن عبد الوهاب قصيدة «أصبح عندي الآن بندقية» وغنتها أم كلثوم، وكان قباني ضمّنها ردّة فعله إزاء النكسة عام 1967 واحتلال فلسطين وأراضٍ عربية في مصر وسورية. وبعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر غنّت له سيدة الغناء العربي قصيدة رثائية بقلم قباني لحّنها رياض السنباطي، وكان صوتها فيها شديد الحزن والتأثر.

Ad

كذلك غنّت فيروز من قصائد الشاعر الراحل: «وشاية»، و«لا تسألوني ما اسمه حبيبي»، و«موال دمشقي» من ألحان الأخوين رحباني. أما فايزة أحمد فأبدعت في قصيدته «رسالة من سيدة حاقدة» من ألحان محمد سلطان، فيما غنّى عبد الحليم حافظ قصيدتيه «رسالة من تحت الماء»، و«قارئة الفنجان» عام 1976، وكانت الأخيرة آخر عمل للعندليب قبل رحيله.

في الثمانينيات قدّم الفنان البحريني خالد الشيخ بصوته قصيدة «عيناك» لنزار قباني، بينما راحت ماجدة الرومي في التسعينيات تشدو بقصيدته «كلمات» من ألحان إحسان المنذر، وحققت نجاحاً واسعاً، وما زالت تعتبر إحدى أبرز أغانيها.

كاظم وآخرون

النجم العراقي كاظم الساهر أحد أكثر الفنانين الذي غنّوا قصائد لنزار قباني، إذ تعدّت أغانيه التي حملت توقيع الشاعر الكبير الثلاثين أغنية، وحققت في معظمها نجاحاً كبيراً من بينها: «إني خيرتك فاختاري، وزيديني عشقاً، ومدرسة الحب، وقولي أحبك، وأكرهها، وأشهد ألا امرأة إلا أنت، وحافية القدمين، وإني أحبك، وصباحك سكر، وأحبيني بلا عقد، وكل عام وأنت حبيبتي»، وجميعها من ألحان الساهر، وتعتبر «مدرسة الحب» إحدى أكثر الأغاني العربية تداولاً.

عام 2002، كانت لعاصي الحلاني محطة مع نزار قباني، فاختار قصيدة «القرار» ولحنها وغناها. كذلك استهوت قصائد الشاعر الفنان المصري هاني شاكر الذي وقع خلاف بينه وبين كاظم على قصيدة «يوميات رجل مهزوم». وقدمت أصالة بدورها قصيدة «اغضب» التي لحنها حلمي بكر.

يذكر أن المطربة المغربية بهيجة إدريس سبق أن غنّت «إغضب» إلا أن الأخيرة اشتهرت أكثر بصوت أصالة، وتعتبر إحدى أهم أغاني بداياتها.

أما لطيفة التونسية فقدّمت ألبوماً كاملاً من كلمات نزار قباني وألحان كاظم الساهر، إضافة إلى غنائها قصيدة سميت بـ«دمشق».

«لماذا» غنّت له غادة رجب، فيما كانت قصيدة «حبلى» محل خلاف بين عدد من الفنانين، ولم تبصر النور حتى اليوم رغم أن صلاح الشرنوبي لحّنها وغنتها الفنانة الجزائرية فلة، وتسرّبت عبر الإنترنت بصوت ميريام عطا الله، ثم بصوت رولا سعد.

أبدع مطربون ومغنون آخرون أيضاً بقصائد نزار قباني، من بينهم الفنان السعودي طلال مداح الذي غنّى «جاءت تمشي في استحياء» و«متى ستعرف كم أهواك» التي كانت غنّتها نجاة الصغيرة. كذلك قدّم الفنان العراقي إلهام مدفعي قصيدة «بغداد» بصوته وألحانه.

نزار قباني

ولد في 21 مارس 1923 من أسرة دمشقية عربية. جدّه أبو خليل القباني أحد رواد المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966.

أصدر أول دواوينه عام 1944 بعنوان «قالت لي السمراء»، وأصدر على مدى نصف قرن 35 ديواناً. وأسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم «منشورات نزار قباني». وكان لدمشق وبيروت حيِّز خاص في أشعاره لعلَّ أبرزها «القصيدة الدمشقية» و«يا ست الدنيا يا بيروت».

أحدثت حرب 1967 والتي سمّاها العرب «النكسة» مفترقاً حاسماً في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه «شاعر الحب والمرأة» لتدخله معترك السياسة، فأثارت قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.

قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة: «نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيباً ولطفاً». على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عدة في حياته، من بينها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولاً إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته «الأمير الخرافي توفيق قباني».

عاش السنوات الأخيرة من حياته في لندن ومال أكثر نحو الشعر السياسي، ومن أشهر قصائده الأخيرة «متى يعلنون وفاة العرب؟». وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.