في وقت احتفل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، بفوزه في الاستفتاء حول التعديلات الدستورية التي تمنحه صلاحيات واسعة، مع التحول إلى النظام الرئاسي، سادت البلاد حالة من عدم اليقين بسبب نتيجة الاقتراع المتقاربة، والتي عكست انقساماً في المجتمع التركي لم تتضح حدوده بعد. وباتت الأوضاع السياسية في البلاد مرهونة إلى حد بعيد بسلوك إردوغان الذي فشل في تحقيق فوز مريح، وسلوك المعارضة، وما إذا كانت ستعترف ولو بعد حين بالنتيجة، وتُواصل اللعبة السياسية وفق القواعد الجديدة.
ورغم أنه تحدث أمس الأول عن استفتاء حول إعادة عقوبة الإعدام، وهو مطلب يثير تحفظاً أوروبياً واسعاً، واستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، تجنب إردوغان، رجل الدولة والسياسي المخضرم، أمس، الخوض في مطالبة المعارضة بإلغاء الاستفتاء، واتهامها اللجنة العليا للانتخابات بارتكاب مخالفات قانونية أثناء عملية الفرز، إذ قام بدلاً من ذلك بزيارة ضريحي الرئيس الثامن للجمهورية التركية تورغوت أوزال لإحياء الذكرى الـ24 لوفاته، والسلطان سليم الأول حاكم الإمبراطورية العثمانية في الفترة بين 1512 و1520 في إسطنبول.وفي كلمة قصيرة أدلى بها أمام حشد من أنصاره بمطار «اسن بوغا» بعد عودته من إسطنبول إلى العاصمة أنقرة، قال الرئيس التركي إنّ ارتفاع نسبة التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية في الولايات الجنوبية والشرقية بالبلاد «إشارة جيدة بالنسبة إلى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في 2019».وكان نائب رئيس حزب «الشعب الجمهوري» المعارض بولنت تزجان، أكبر أحزاب المعارضة، طالب، أمس، بإبطال نتائج الاستفتاء، مؤكداً أنه سيطعن في العملية أمام القضاء التركي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا اقتضى الأمر، في حين قال حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إنه سيطعن في النتيحة أمام القضاء.
من جانبها، أعلنت بعثة المراقبين التابعين لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمجلس الأوروبي، أن فرص الطرفين لم تكن متكافئة خلال الاستفتاء، الأمر الذي استدعى تنديداً من وزارة الخارجية التركية التي وصفت هذه الخلاصات بـ«المنحازة». من ناحيته، طالب إردوغان المراقبين بأن «يعرفوا حدودهم»، موضحاً، في خطاب بقصره الرئاسي في انقرة، أنهم «يعدون تقريراً كما يحلو لهم (...) اعرفوا حدودكم، فنحن لا ننظر إلى أي تقرير قد تعدونه ولا نأخذه في الاعتبار».وبينما ذكرت واشنطن أنها اطلعت على خلاصات المراقبين، مكتفية بدعوة السلطات إلى احترام آراء المعارضين، اتسمت ردود فعل الدول الأوروبية على نتيجة الاستفتاء بالحذر، وأشارت خصوصاً إلى النتيجة المتقاربة، داعية إردوغان إلى الحوار مع باقي القوى في البلاد.في السياق، هنأت السعودية تركيا بنتيجة الاستفتاء، في حين طالبت روسيا وإيران بعدم التدخل في الشأن الداخلي التركي.اقتصادياً، فتحت بورصة إسطنبول على ارتفاع، أمس، في حين شهدت الليرة التركية صباحاً تحسناً بنسبة 2 في المئة تقريباً مقابل الدولار، لكن مكتب الدراسات الاقتصادية «كابيتال إيكونومكس» اعتبر في مذكرة أن «هذا الفوز الضعيف يثير تساؤلات أكثر بالنسبة إلى الأوراق المالية»، مشيراً إلى النتيجة التي أحرزتها المعارضة وتبعاتها المحتملة.