«ليس بينه وبين الحور العين إلا نزع فتيل حزامه الناسف في حشود الآمنين»، تلك كانت أبرز التفسيرات التي تناقلتها وسائل إعلام مصرية، منذ أن بدأت تطل على مصر نوعية جديدة من العمليات الإرهابية تستهدف كنائس الأقباط، ويكون منفذها انتحاري مدرب غالبا لا يتجاوز العقد الثالث من عمره، ليوقع بتلك العمليات عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، وهو ما بدأ فعلياً باستهداف «الكنيسة البطرسية» بالعباسية، في ديسمبر 2016.

متخصصون رفضوا هذا التفسير، لافتين إلى وجود دوافع أخرى بينها عوامل سياسية واقتصادية وتربوية وثقافية ودينية معقدة ومتشابكة، تدفع الشخص الانتحاري للقيام بمثل هذه العمليات.

Ad

تطوع اختياري

القيادي السابق في تنظيم «الجهاد»، والمسؤول السابق عن خلية الصفوة الانتحارية في أفغانستان عام 1980، نبيل نعيم، شرح لـ «الجريدة» مراحل اختيار وتهيئة وتجهيز الانتحاري، من قبل التنظيمات الجهادية، موضحا أن تلك التنظيمات لا تفرض على الأشخاص القيام بعمليات انتحارية جبرا، بل تجعل الأمر اختياريا.

عزل ودورات

ويقول نعيم إنه «منذ تطوع الأشخاص للقيام بهذه العمليات، يعمل التنظيم على عزلهم تماما عن المحيطين بهم، وإخضاعهم لدورات فقهية، تتحدث عن فضل الشهادة والتضحية بالنفس، إلى جانب إخضاعهم لدورات تدريب في المناورة، وكيفية اختراق التجمعات، وطرق استخدام الأحزمة الناسفة».

الانتقام

ويشير القيادي الجهادي السابق الى أن «غالبية المتطوعين في العمليات تعرضوا لأزمات نفسية وظلم ويريدون من تنفيذ تلك العمليات التشفي والانتقام».

الشهرة

من ناحيته، يعتبر الباحث المتخصص في علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، أن «الظروف الاجتماعية والسياسية التي نعيشها في مجتمعاتنا العربية تخلق أوضاعا تحفز على التطرف والانتقام من الآخر، أيما كان شكل هذا الآخر (دين أو عرق أو طائفة أو جنس أو لون)».

ويؤكد صادق لـ «الجريدة» أن الثقافة الدينية في مجتمعاتنا، تزيد الوضع سوءا وتحفز مشاعر الانعزال والوحدة والانتقام»، مضيفا: «ثقافاتنا تخلق أشخاصا منهزمين نفسيا، والانتحاري شخص يسعى إلى إثبات ذاته عبر القيام بمثل هذه العمليات التي توفر له جانبا من الشهرة حتى لو لم يحضرها».

الاقتصاد غير مؤثر

أستاذ الاقتصاد، عبدالرحمن العليان، يرفض في تصريحات لـ «الجريدة» اعتبار الأوضاع الاقتصادية سببا يدفع الشخص للقيام بعمليات انتحارية، ويقول: «العوامل الاقتصادية هي أحد الأسباب المحتملة، وهناك عوامل لها أبعاد دينية وسياسية متعلقة بالمكايدة»، مشيرا إلى أن «شخصيات إرهابية لها مكانة اجتماعية وووضع اقتصادي جيد، تبنت مثل هذا النهج المتطرف، مثل الملياردير أسامة بن لادن ود. أيمن الظواهري».

لا فتوى تبيح الانتحار

في السياق، يقول رئيس لجنة الفتوى سابقا عبدالحميد الأطرش إن «الانتحار هلع ويأس وقنوط، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه»، وتابع: «ليس هناك فتوى معتمدة من الأزهر تبيح العمليات الانتحارية مهما بلغ المرء من ضرر»، موضحاً أن الإسلام أكد أن الأقباط لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، وبالتالي يأثم كل من يعتدي عليهم، حتى في وقت الجهاد، لأن الجهاد لا يعني الانتحار».

كتيبة انتحاريين

يشار إلى أن تقارير أمنية لفتت، خلال الأيام الماضية، إلى أن المدعو عمرو سعد إبراهيم، (هارب) تمكن من تدريب العديد من الشباب على العمليات الانتحارية من بينهم منفذا الهجومين على كنيستي طنطا والاسكندرية، ما يعني أن الأجهزة الأمنية باتت أمام تحد جديد لضبط «كتيبة انتحاريين».