ليست مصادفة أن تكون صباح نجمة حفلة برنامج زكي ناصيف للموسيقى في الجامعة الأميركية في الثالث من مايو، فلطالما ربطتهما صداقة متينة، وهي غنّت من ألحانه أغاني عدة ناجحة أبرزها «تسلم يا عسكر لبنان» التي حققت انتشاراً واسعاً ولا تزال تقدَّم إلى اليوم في المناسبات الوطنية.
محطات مضيئة
في ديسمبر 2004، تأسّس برنامج زكي ناصيف للموسيقى في كلية الآداب في الجامعة الأميركية في بيروت، وتتولّى إدارته لجنة أكاديمية يعيّنها العميد ويأتي أعضاؤها من كليات الجامعة كافة. يهدف البرنامج بشكل أساسي إلى الحفاظ على إرث ناصيف والترويج له، وتشجيع التميّز في التدريس الموسيقي من خلال تنظيم نشاطات على غرار المسابقات والحفلات الموسيقية والندوات ودعوة المحترفين والطلاب لعرض أعمالهم في الجامعة، فضلاً عن تقديم جوائز ومنح دراسية باسم زكي ناصيف لتعزيز التميّز في الأداء والأبحاث. كذلك يهدف البرنامج إلى إطلاق دورات وبرامج جديدة في الموسيقى اللبنانية والمشرقية في قسم الفنون الجميلة وتاريخ الفنون في الجامعة الأميركية في بيروت. تَمثّل أحد أبرز إنجازات البرنامج بنقل أرشيف زكي ناصيف إلى مكتبة يافث في ديسمبر 2008. هذه الهبة التي قدّمتها عائلته تحوي ألف ومئة مقطوعة شكلت ذخيرة حياته، على أمل بأن يشكّل إنجاز هذا المشروع الفريد في لبنان والشرق الأوسط نموذجاً لجهود مستقبلية لحماية الإرث الموسيقي الغني في المنطقة العربية. في مارس 2009، وُقِّع اتفاق تعاون بين الجامعة الأميركية في بيروت وبين جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى (SACEM)، لتسجيل كامل ألحان زكي ناصيف وحمايتها. في إطار البرنامج، أطلقت عام 2009، مباراة «من كل مدرسة كورال (جوقة)» شاركت فيها عشرات المدارس الخاصة والرسمية في لبنان. وفي عام 2014، بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل زكي ناصيف، وسّع البرنامج نشاطاته بإنشاء مهرجان سنوي يتضمّن حدثاً ثقافياً شهرياً خلال العام الدراسي. في 17 فبراير 2016، بمناسبة مئوية ولادة زكي ناصيف التي ترافقت مع ذكرى 150 سنة على تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت، تأسست «فرقة زكي ناصيف للموسيقى العربية في الجامعة الأميركية»، وذلك خلال حفلة حاشدة في مبنى «الأسامبلي هول» في حرم الجامعة، وتنتمي غالبية أعضاء الفرقة إلى مجتمع الجامعة الأميركية: طلاب، وخريجون، وموظفون.تعتمد استمرارية برنامج زكي ناصيف للموسيقى على الهبات والتبرعات لـ «صندوق زكي ناصيف» في الجامعة الأميركية في بيروت.غزارة في الإنتاج
ولد زكي ناصيف في 3 يوليو 1916، وتوفي في 11 مارس 2004. درس الموسيقى بين عامي 1936 و1941 في المعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية في بيروت (1929-1949). يعتبر أحد أكثر الملحنين غزارة في الإنتاج في لبنان، وساهم إلى حدّ بعيد في النهضة الموسيقية للدول الفتية في منتصف القرن العشرين. يشمل أسلوبه ميزة التجدّد باستخدام الإيقاع، والتناغم الفريد بين الكلمة والنوتة، وتتنوّع الآلات والإيقاعات الموسيقية ومؤثرات الرقص الفولكلوري في ألحانه. ترك إرثاً موسيقياً غنياً شكّل بنية أساسية لمدرسة جديدة في التأليف الموسيقي. في خمسينيات القرن العشرين، ألّف ناصيف «عصبة الخمسة» مع الأخوين رحباني، وحليم الرومي (والد ماجدة الرومي)، وتوفيق الباشا، وفيلمون وهبي، بهدف اكتشاف لون من الغناء المحلي اللبناني يستمدّ من الفولكلور جمله اللحنية، في اعتبار أن الفولكلور يضم خامات فنية قابلة للصقل والتطوير. وساهموا جميعاً بإمداد إذاعة الشرق وإذاعة لبنان بمواد موسيقية وغنائية في الخمسينيات. عام 1957 أطلقت العصبة «الليالي اللبنانية» الأولى في «مهرجانات بعلبك الدولية»، بعمل فولكلوري بعنوان «عرس في القرية»، ضمّ أغاني بقيت في البال وتتناقلها الأجيال من بينها: «طلّوا حبابنا طلّوا، نسِّم يا هوا بلادي»، وألّف موسيقى أغانٍ لكل من فيروز وصباح ووديع الصافي وماجدة الرومي وغيرهم، وأدى بصوته مجموعة من ألحانه، ودرّس في الكونسرفتوار الوطني اللبناني. لا ينتمي ناصيف إلى مدرسة الرحابنة الموسيقية التي مزجت الموسيقى الغربية والكلاسيكية بالطابع الشعبي اللبناني والنمط التقليدي القديم. بدلاً من ذلك، أبقي على المواد القديمة ولكن بروح جديدة ممتزجة مع تقاليد الضيعة اللبنانية. تعتبر أغنية «راجع راجع يتعمر» التي ألفها خلال الحرب اللبنانية نشيداً يرمز إلى صمود البلد في وجه الدمار، وفي عام 1994 ألف ولحن أغاني ألبوم كامل لفيروز بعنوان «فيروز تغني زكي ناصيف»، من إنتاج صوت المشرق. وإحدى روائعه أغنية «مهما يتجرّح بلدنا» التي كتبها ولحنها بعد مجزرة قانا عام 1996. كذلك شجّع زكي ناصيف مطربين جدداً ورعاهم وقدّم لهم أعمالاً تناسب قدراتهم الصوتية.