دارت ندوة «كتاب الشهر» لمكتبة الكويت الوطنية، التي أقر مديرها العام كامل العبدالجليل أن تكون فعالية شهرية، حول 3 محاور، حددها مدير الندوة الزميل نادي حافظ، وانطلق منها صاحب الكتاب المحتفى به «موسوعة تراث الشعر الغنائي في الكويت»، الأديب والروائي الكويتي حمد الحمد، لإلقاء الضوء على رحلته مع الكتاب، سواء كفكرة لسد الفراغ في هذا الجانب التوثيقي، وبعدها أضحت الفكرة حقيقة لا خيالا في موسوعة عدد صفحاتها 740 صفحة، أعدت في 8 أشهر، وضمت نبذات مختصرة عن مسيرة نحو 140 شاعرا ممن قدموا قصائد غنائية كان لها أثر على الساحة الغنائية الكويتية.

والمحاور الثلاثة التي طرحها نادي حافظ كأسئلة تبحث عن إجابات من الأديب الحمد هي: هل هرب الحمد من عالم السرد إلى عالم التوثيق، ولماذا؟ ولماذا كان التوجه لتوثيق الشعر وخاصة الشعر الشعبي بالذات؟ كما أن التصدي للشعر الغنائي وعمل موسوعة لابد أن هناك مصاعب ومعوقات واجهته.

Ad

وكانت الندوة قد استهلت بكلمة مبسطة وموجزة من العبدالجليل، رحب فيها بالحاضرين، وأعلن أن إقامة مثل هذه الندوات التي أقر موعدها في منتصف كل شهر ميلادي من أجل تسليط الضوء على أحدث الإصدارات التي تطرح في الأسواق لمؤلفين كويتيين ممن قدموا خلاصة نتاجهم الفكري في البلاد، ومناقشة إنتاجهم الأدبي وتعريف الجمهور بهم، وهو دور المكتبة الوطنية تجاه الكتب ذات القيمة الثرية، وتكريما لجهود مؤلفيها الذين يبذلون الجهد من أجل المحافظة على الذاكرة الثقافية الكويتية وحفظ حقوق مبدعيها الواضح والمؤلف الرصين الجاد.

أول ندوة

ثم ألقى الضوء على ضيف أول ندوة للمكتبة الوطنية، الأديب حمد الحمد، فقال إنه تخرج في كلية الآداب جامعة الكويت عام 1977، وهو من كتاب القصة والرواية والمقال المرموقين، ومن أبرز إصداراته على سبيل الذكر لا الحصر: زمن البوح، والأرجوحة، ومساءات وردية، واختطاف ثانيا، ومناخ الأيام، وعثمان، وتقاسيم الزمان، وليالي الجمر.

وأضاف: لم يكتف الحمد بهذا النشاط الحافل، وإنما قرر اقتحام عالم التوثيق عام 2014، بأول كتاب عن الشاعر فايق عبدالجليل، ثم توالت إصداراته في هذا المجال، فكتب عن «فهد بورسلي... ورحلة الإبداع والتمرد والمعاناة»، و«أحمد العدواني... من مقاعد الأزهر الى ريادة التنوير»، و«سلطان بن فرزان... شعر شعبي»، لتحتل هذه الكتب مكانة متميزة في رفوف المكتبات والمكتبة الوطنية.

وقال حافظ، بعد توجيه الشكر للمكتبة الوطنية ومديرها العام على فكرة ندوة كتاب الشهر، مثمنا دورها الكبير: «الكتاب الذي بين أيدينا جديد من نوعه وجديد في موضوعه، وهو يتصدى لتراث الشعر الغنائي الذي لم يجد ذلك الاهتمام بشكل موسوعي، لهذا تصدى محدثنا وسلك طريقا شائكا، وبشكل تطوعي، حتى يرى كتابه النور».

وهنا شدد الحمد على أنه لم يهرب من السرد الى التوثيق، لأنهما عمليتان متكاملتان، وكل واحد منهما له متعته الخاصة، ولاسيما أنه لا يكتب أي عمل إبداعي في مجال الرواية، إلا اذا اختمرت الفكرة تماما بأحداثها وشخوصها، ويعطيها حقها في عملية النضج مهما استغرقت من وقت.

وتابع أن عملية البحث والتوثيق خاصة فيما يعنى بالشعر والشعراء وتدوينها في كتب وثائقية لها مذاقها ومتعتها المختلفة عن عالم الكتابة الأدبية بفنونها الروائية أو القصصية.

حبيب الأرض

وذكر أن كتاب الندوة يأتي امتدادا لرحلته مع التوثيق التي بدأت مع إصداره كتاب «فايق عبدالجليل... رحلة الإبداع والأسر والشهادة»، الذي وثق فيه مراحل من حياة الشاعر الشهيد وحياته الأسرية، ومواقفه خلال الغزو العراقي الغاشم، لافتا الى عدم توقعه للصدى الذي أحدثه الكتاب، حيث تحولت أجزاء منه إلى مشاهد في فيلم عرض في دور السينما باسم «حبيب الأرض»، كما عرضت مسرحية من وحي الكتاب، الى جانب استخدام غلاف الكتاب في أغنية وطنية، و»هو ما أسعدني كثيرا لأن بهذا الإصدار استطعت أن أعيد شاعرنا الكبير الى الذاكرة، بعد أن كاد الناس ينسونه لفترة تقارب 23 عاما».

وتابع قائلا: لقد دفعني رد الفعل الجميل حول كتاب الحاضر الغائب، الشهيد فايق عبدالجليل، إلى أن أواصل المسيرة على هذا الدرب الذي فيه جزء من رد الجميل لبعض المبدعين، لاسيما أنني وجدت متعة في البحث والتنقيب في مجال الشعر بالذات - إلى أن التفت إلى شعراء كبار مع الأسف ما يتوافر عنهم على رفوف المكتبات لا يتعدى ديوان شعر وحيدا، ومنهم الشاعر الشعبي الكبير فهد بورسلي، وأنجزت كتابا بعنوان «فهد بورسلي... ورحلة الإبداع والتمرد والمعاناة»، ثم صدر بعده كتب في نفس السياق، وهو «شعراء الكويت في قرنين»، ويليه كتاب بعنوان «أحمد العدواني... من مقاعد الأزهر إلى ريادة التنوير»، وكتاب «سلطان بن فرزان... شعر شعبي»، وفي الطريق كتاب آخر تجرى طباعته.

8 أشهر

وأوضح أن كتاب الندوة «موسوعة تراث الشعر الغنائي في دولة الكويت استغرق جهدا ناهز ثمانية أشهر، وجاء في 740 صفحة من القطع المتوسط بين فصولها سير ذاتية مختصرة لما يقارب 140 شاعرا أسهموا في الأغنية الكويتية، وفصل لمختارات من كلمات الأغاني الشهيرة التي تركت بصمة حتى اليوم، وفصل لموسوعات مفصلة كموسوعة الشاعر وموسوعة المغني، وموسوعة اللحن، وموسوعة عنوان النص لتوثق وتخلد أسماء شعراء نسيت بعض أسمائهم، وبقيت كلماتهم صادحة مع الزمن بأصوات المطربين، ومنهم من اشتهرت أغنياته من دون أن يعرف اسمه.

وبين أن من أهم مصادره لإنجاز هذا الكتاب الموسوعي هو أرشيف إذاعة الكويت، إضافة الى بعض المجلات التي تصدر عن جمعية الفنانين، مثل مجلة عالم الفن، وعدد من الإصدارات أهمها إصدارات الشاعر عبدالله الدويش وكتب د. المؤرخ يعقوب الغنيم، وكتب الباحث خالد سالم، وصالح الغريب، لافتا إلى أن البحث كان لابد أن يكون ميدانيا أيضا للتأكد من المعلومة الصحيحة، وكان لابد من الاتصالات والزيارات والبحث عن هؤلاء الشعراء أو أسرهم.

وتحدث الحمد عن المواقف الطريفة التي صادفها أثناء كتابة هذه الموسوعة، مثل مقابلته أحد الشعراء في سوق المباركية في السادسة صباحا، ورحلته الشاقة لبلدية الكويت للبحث عن شاعر متوفى، قائلا «إن مسألة وفاة الشاعر أو حياته كادت توقعه في مأزق حين كتب عن أحد الشعراء أنه متوفى في السنة الفلانية، ثم اكتشف لاحقا أنه حي يرزق».

ولفت إلى أن صفحة الوفيات كانت أحد أهم مصادره التي ساهمت في الوصول الى العديد من ذوي الشعراء الذين كان يبحث عنهم، فإما يجد اسم الشاعر نفسه ضمن الوفيات أو أحد أفراد عائلته، إضافة الى أرقام هواتفهم وعناوينهم، الأمر الذي سهل عملية الاتصال كثيرا.