مع الدورة التاسعة عشرة من «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة»، التي بدأت أعمالها في التاسع عشر من شهر أبريل الجاري وتُختتم في 25 من الشهر نفسه، تستدعي ذاكرتي تجربة فريدة تابعتها عن كثب، ثم شاءت الظروف أن أكون عنصراً فاعلاً فيها، عندما كانت إدارة المهرجان تضع الجمهور نصب اهتمامها، وتحرص على التواصل مع شرائح وقطاعات عدة، في المقاهي الشعبية ومراكز الشباب والقرى والنجوع المجاورة لمدينة الإسماعيلية، فلا تقتصر عروض الأفلام على مواطني عاصمة المحافظة، بل تتجاوز هذه المحطة لتغطي نطاقاً جغرافياً أكبر!كانت الإدارة تُدرك آنذاك أن المهرجان مثل الدعم ينبغي أن يصل إلى مستحقيه، ومن ثم كانت تستثمر وجود النقاد، وتستعين بهم في مقابلة الناس، والتواصل معهم في مناقشات تعقب العروض، التي تنتقل إليهم في أماكنهم الحياتية. وكثيراً ما كانت المناقشات تتسم بزخم رائع، ويخيم عليها دفء إنساني جميل، بعدما يشعر المواطن في المقهى الشعبي ومركز الشباب والقرية النائية في المحافظة أنه «صاحب المهرجان»، وليس ضيفاً عليه!
تقليد طيب أشهد أن «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة» كان الأسبق في العمل به، والحرص عليه، قبل أن تختفي التجربة الفريدة، في أعقاب ثورة يناير 2011، بحجة «الدواعي الأمنية»، التي استسلمت لها الإدارات المتعاقبة للمهرجان، ولم تفكر في مراجعة الأجهزة السيادية، وانتزاع اعتراف منها باستقرار «الحالة الأمنية»، بما يعني عودة قوافل النقاد والمخرجين، ومعهم الأفلام، إلى التلاحم مع الجمهور في بيئاتهم الطبيعية، بدلاً من الاكتفاء بمخاطبة العدد القليل من مواطني مدينة الإسماعيلية، الذين يتوافدون على قصر الثقافة، أو يحضرون إليها بمحض المصادفة، لمتابعة عروض المهرجان! تذكرت التجربة المثيرة، وأنا أتابع تصريحات صحافية أدلى بها الناقد عصام زكريا رئيس الدورة التاسعة عشرة لمهرجان الإسماعيلية، وأكد فيها اهتمامه بعودة التواصل بين المهرجان وبين الجمهور، واعترافه بأن «الجمهور هو ما ينقص المهرجان» وأن «وجود الجمهور واحتضانه الأفلام وصانعيها يعوض سوء التنظيم ونقص الإمكانات» وقوله: «المهرجان يُقام للناس ولأهل مدينة المهرجان ثم للصحافيين ووسائل الإعلام وللترويج السياحي والسياسي». واختتم تصريحاته بقوله: «هدف المهرجانات الأساسي التثقيف وفكرة المهرجان مرتبطة بالحشد الجماهيري». فالرجل يُدرك حقيقة الأزمة التي تعانيها المهرجانات المصرية، ويعرف أن ثمة انفصالاً بينها وبين جمهور المحافظات التي تستقبلها، وصارت عبئاً عليها، وهي الأزمة التي وضع «زكريا» يديه عليها، ويسعى جاهداً إلى الحيلولة دون تفاقمها، في الدورة التاسعة عشرة لـ «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة»، وإن كنت أزعم أن الأزمة أكثر تعقيداً من أن يتحمل «زكريا» وحده مسؤولية التغلب عليها، فهناك أطراف أخرى، كالجهات السيادية، والأمنية، فضلاً عن أجهزة الحكم المحلي والوزارات، كالثقافة والسياحة والشباب، ضالعة في المشكلة، وهي جزء منها، وواجبها أن تتدخل، وتمارس دورها، وصلاحياتها، كي تعمل على تذليل العقبات، وتضمن وصول المهرجان، وليس الأفلام فقط، إلى الجمهور، عبر المكتبات العامة والنوادي والمقاهي، فأزمة غياب الجمهور، التي باتت مشكلة المهرجانات المصرية كافة، في حاجة إلى حلول غير تقليدية، ومن بينها ما اصطلح على تسميته «التفكير خارج الصندوق»، مثل الخطوة التي بدأها «مهرجان الإسماعيلية»، والمتمثلة في تشجيع الجمهور، من شباب المدينة، ومحبي المهرجان، على تأسيس جمعية مقرها قصر ثقافة الإسماعيلية، تُصبح بمثابة نواة لعشاق المهرجان، وحجر أساس لدعم المهرجان، واستغلال القصر كبديل وتعويض عن غياب صالات العرض السينمائي في مدينة الإسماعيلية، التي لا يوجد بها سوى دار عرض حديثة واحدة!بالطبع تأتي الورش التي ينظمها المهرجان، من دورة إلى أخرى، بمثابة خطوة في سبيل التغلب على أزمة «الانفصال الجماهيري»، حيث تستقبل مواطني محافظة الإسماعيلية، قبل شهر من انطلاق المهرجان، وتستهدف الشباب ممن هم في سن الثامنة عشرة، كما حدث في ورشة تحريك العام الماضي، ويتكرر في ورشة «كيفية صناعة الفيلم القصير»، التي تُنظم في إطار هذه الدورة، التي يُنتظر أن تشهد التواصل الأكبر مع قطاعات بشرية متعددة، بالإضافة إلى التواصل مع جمهور المراكز الثقافية الأجنبية الموجودة في الإسماعيلية، كالفرنسي واليوناني، أملاً في زيادة الحضور، والتجاوب، والإقبال الجماهيري، وتحقيق الهدف «الاستراتيجي» من أي مهرجان، وهو الوصول إلى الناس.
توابل - سيما
«الوصول للناس»!
21-04-2017