لا تبحث عن الفنان الذي رسم غلاف مجموعة Quarto: إنه الطاهر بن جلون. فنانون قليلون يرون جزءاً من أعمالهم مجموعاً بهذا الشكل خلال حياتهم. حظي الروائي المغربي الأكثر شهرة بهذا الامتياز، ما أفرح قراءه بالتأكيد. تمحورت رواياته الإحدى عشرة، من بينها روايته الغنية عن التعريف التي منحته جائزة «غونكور» عام 1987، La Nuit Sacrée (ليلة القدر)، حول ثلاثة محاور سيطرت على حياته: المغرب، وضع المرأة، والهجرة.

الطاهر بن جلون كاتب حكيم، فهو أفضل مَن كشف حقيقة الحرب، والعنصرية، والإرهاب للأولاد حول العالم، وهو مَن يعمل في سبيل الصداقة والسلام. كوفئت جهوده هذه مرات عدة، من بينها عام 2007 في برشلونة مع جائزة الأمم المتحدة للسلام التي منحه إياها بان كي مون.

Ad

فضلاً عن ذلك، بن جلون الكاتب الفرنكوفوني الذي تُرجم أكبر عدد من أعماله في العالم، إذ يبرع في السرد، وهو شاعر يرى الجمال قبل البشاعة، والصديق قبل العدو، والنهار قبل الليل. يكفي أن تقرأ قصة حياته، التي عرضت في 49 عملاً وثائقياً أو سيرة ذاتية، وتحوّلت أخيراً إلى مقدّمة مجموعة جديدة من أعماله، ولا شك في أنك ستستمع بها.

طفولة وموهبة

من طفولته في المغرب، يخبرنا بن جلون كيف تغلغل فيه الشعر. عندما تملّكه المرض، كان الطاهر الصغير يمضي ساعات في تأمل السماء، والسحب، والنجوم وابتكار القصص، ما ولّد فيه مخيلة لا حدود لها. ولكن كيف تبدأ سيرةً ذاتية وأنت لا تعرف تاريخ الولادة؟ هذه هي حال هذا الروائي الذي يجهل ما إذا وُلد في عام 1944 أو 1947. فقد عمد والده إلى تزوير بيان قيده بغية إدخال ابنه إلى مدرسة تعلُّم القرآن في وقت مبكر.

وُلد في فاس في المغرب، ثم تبع والديه إلى طنجة حيث أكمل دراسته. أراد تجربة حظه في معهد الدراسات السينمائية في باريس لأنه رغب في امتهان الإخراج. ولكن ما كان يملك المال، فعاد إلى المغرب حيث توجّه نحو الفلسفة وانجذب إلى دراسة التحليل النفسي والجنون.

شعره المخبأ

قادته ميوله السياسية إلى معسكر للاعتقال: 19 شهراً أنقذه خلالها كتاب Ulysse لجيمس جويس. تنشر «دار غاليمار» في مجموعته الجديدة للمرة الأولى شعره المخبأ.

بن جلون مصنوع من ذلك الخشب الذي لا ينكسر، فلم يستسلم هذا الرجل مطلقاً، بل ناضل للحصول على جواز سفره وعاد إلى فرنسا. وبينما كان يساعد عمالاً مهاجرين، بدأ يقدّم مقالات لصحيفة «لوموند». كذلك ناقش رسالة دكتوراه في علم النفس الاجتماعي في مركز «جوسيو» الجامعي، ثم نجح في فرض موهبته في وسط بالغ الصعوبة، حتى إنه أصبح أحد الحكام في أكاديمية غونكور.

رمز الوحدة

لطالما شكّل بن جلون رمز الوحدة بين فرنسا التي يحبها والمغرب التي يعزّها. كان يشعر دوماً أنه في موطنه، هنا، وهناك، أو في أي مكان. ومنذ بعض الوقت، ينكّب على الرسم بقدر الكتابة. وفي شهر سبتمبر، خصّه معهد العالم العربي بمعرض كبير. كذلك ستُعرض لوحاته في أكتوبر العام الجاري في صالة عرض «باتريس تريغانو» في شارع «بو زار».

«أكتب عن آلام العالم وأرسم نور العالم ذاته». هذه خلاصة جميلة عما يقدّمه لنا هذا الكاتب الذي أصبح اليوم فناناً.