رياح وأوتاد: حرية أو فوضى أو إساءة حالقة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول، وهو يطوف بالكعبة: "ما أَطْيَبَكِ، وما أَطْيَبَ رِيحَكِ؟ ما أعظمَكَ وما أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ. والذي نَفْسُ محمدٍ بيدِهِ لَحُرْمَةُ المُؤْمِنِ عِنْدِ اللهِ أعظمُ حُرْمَةً مِنْكِ"، وأكد هذا المعنى في خطبة الوداع فقال: "إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم، كحُرْمَةِ يومِكم هذا"، وقال أيضاً واصفا آفات اللسان: "دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدِّين". ورغم كل هذا التوجيه الرباني في حرية التعبير فإن هناك من أصبح يقدس حرية الكلمة والرأي ويجعلهما فوق هذه الثوابت، فلم يعد للمواطن، سواء كان مسوؤلاً أو سياسياً أو في حالة، أي حرمة فيما يكتب أو يعبر البعض، ففي الكويت لاحظنا خاصة بعد دخول وسائل الاتصال الاجتماعي كيف مارس بعض المغردين والمدونين هذه الحرية بشكل أساء إلى غيرهم من المواطنين وجرح كرامتهم وأشاع الأكاذيب عنهم، بل حتى أساء إلى الدين والثوابت الدينية، وطعن بإسفاف بجيراننا في الخليج الذين اختلطت دماؤهم بدمائنا في حرب تحرير الكويت. وكم من مواطن ومسوؤل تقدم بشكوى وبلاغ عما أصابه من كذب أو تجريح، فكان جواب الإدارة المعنية في وزارة الداخلية أنها لم تتعرف على صاحب الموقع أو التغريدة، ولا أستغرب من موقف العلمانيين، فحرية التعبير عندهم تعلو على مقدسات وكرامات غيرهم، وهم ينتهجون مثل منهج الدنمارك وغيرها، يعني إذا مو عاجبك رد واكتب، ولكن لا جريمة.
وإنما المستغرب هو موقف بعض الإسلاميين والمحافظين الذين عملوا على تغليظ العقوبات على جرائم المساس بالثوابت الإسلامية حتى وصلت للسجن، وكادت أن تصل للإعدام في المجلس المبطل الأول، وطالبوا بأشد العقوبات على عبدالحميد دشتي لإساءته إلى بعض دول الخليج، وفي الوقت نفسه يطالبون بمزيد من الحريات للمغردين والمدونين ويدافعون عنهم ويطالبون بإلغاء قوانين الجرائم الإلكترونية وتنظيم الإعلام الإلكتروني رغم علمهم بالإساءات الكثيرة التي تحتويها هذه المواقع للآخرين ممن حصن الله أعراضهم وكراماتهم! وكان الأجدر بهؤلاء وكذلك بجمعيات حقوق الإنسان التي عممت وأساءت في تقاريرها عن الكويت أن تبين بشيء من التفصيل أن هناك من الكتّاب والمغردين والمدونين من أساء ويستحق العقوبة، كما أن منهم من لم يسئ ولا يستحق أي عقوبة، والحكم هنا للقضاء الذي يأخذ بأي شبهة لكي لا يحكم بالإدانة. أما الدستور فقد بينت نصوصه أن حرية التعبير والكتابة والنشر والبحث العلمي تكون وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، فليس في دستورنا حرية مطلقة بلا قيد من القانون، وإن حماية المجتمع من انتشار الطعن بالثوابت والمقدسات وكذلك حمايته من الانقسام بسبب انتشار الكذب والإساءة للآخرين وحمايته من الفوضى وعدم الاستقرار توجب الأخذ على أيدي أصحاب الرأي المسيء بالعقوبات المناسبة، وأيضا تتبع أصحاب الحسابات الوهمية ومنع انتشار سمومهم بكل الطرق التكنولوجية الحديثة، وبالتأكيد لا نعني بهذا الكلام سجنا أو غرامة أو أي عقوبة أخرى لأصحاب الرأي الرزين والنقد البناء الذين يشيرون إلى الأخطاء والفساد بالأدلة والكلمة الصادقة، فهم جنود للإصلاح والتقدم والبناء، وبالتالي تجب حمايتهم والشد على أيديهم. والخلاصة أن تحصين وحماية المجتمع من الشر بكل أنواعه واجب شرعي ووطني، وكما أن المخدرات والسموم شرور وخطر فلا شك أن الكذب والسباب والاستهزاء والإساءة لكرامات الناس من الشرور والأخطار التي يجب الحماية منها تحقيقا للسلم الاجتماعي.