مؤسسات الدولة ملك لجميع مواطنيها، فلا يجوز تجييرها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك من أصحاب السلطة والثروة والجاه، وإلا أصبحت منحازة اجتماعياً بشكل سافر، أما القوانين فيجب أن تكون قوانين عامة ومجردة، فلا تُفصّل للانتقام من أشخاص معينين، أو تُقر من أجل غرض خاص ومؤقت، وإلا أضحت قوانين جائرة وظالمة ينتج عنها اهتزاز الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة عامة وقوانينها التي تؤدي، إن استمرت، إلى عدم الاطمئنان في نفوس الناس، وتُثير الريبة والشك لديهم بأن الدولة عاجزة عن القيام بوظائفها الاجتماعية التي تحمي حاضر الجميع ومستقبلهم، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي للغاية على عملية الاستقرار الداخلي الضرورية لمواجهة المخاطر الخارجية.اهتزاز ثقة الناس بمؤسسات الدولة وقوانينها التي تدفع بعضهم إلى اللجوء لهوياتهم الفرعية (قبيلة، طائفة، عائلة) تحت وهم حماية حقوقهم لها أكثر من سبب، من ضمنها عدم المشاركة في صياغة السياسات واتخاذ القرارات العامة، وغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، فضلاً عن الانتقائية والتعسف في تطبيق القوانين.
لنأخذ على سبيل المثال مزاعم الحكومة بأن الميزانية العامة للدولة تعاني عجزاً فعلياً، ثم نتساءل كيف يمكن إقناع المواطن البسيط بذلك وهو لا يشارك في اتخاذ القرارات، ولا يعرف شيئاً عن كيفية إدارة الأموال العامة، بل يرى عمليات التنفيع من المال العام سواء بالمناقصات المليونية المُفصّلة حسب المقاس، أو بمنح أراضي الدولة وأملاكها للقِلة بأسعار زهيدة للغاية، علاوة على أنه يشاهد ملايين الدنانير تهدر أمام عينيه مثلما تُبيّن تقارير ديوان المحاسبة؟ ونتساءل أيضاً، ما الدافع الذي يجعل الموظف الحكومي، على سبيل المثال، يجتهد ويطوّر مهاراته إذا كانت "الواسطة" والمحسوبية و"البراشوت" هي التي تضمن الوصول إلى المناصب القيادية؟! وكيف نقنع المواطن بضرورة الالتزام بالقوانين وهو يرى أن القانون لا يُطبّق على كبار المسؤولين الفاسدين، بل إن بعضهم يكافؤون بمناصب جديدة تُفصّل على حسب مقاساتهم؟ أما بعد، فإذا كانت الحكومة تعرف إلى أي مدى وصل عدم ثقة الناس بمؤسسات الدولة وقوانينها، وهو ما جعل بعضهم يلجؤون إلى هوياتهم الفرعية (قبيلة، طائفة، عائلة) التي كانت سائدة قبل تشكل الدولة الحديثة من أجل حماية حقوقهم، ثم لا تحرك ساكناً فتلك مصيبة، وإذا كانت الحكومة لا تعرف عن ذلك شيئاً فالمصيبة أعظم.
مقالات
الدولة وبروز الهويات الفرعية
24-04-2017