فرنسا تتخطى «المخاطر» وتصوّت في «أغرب» انتخابات رئاسية
تقدم ماكرون ولوبن ينهي هيمنة «الاشتراكيين»... و«الجمهوريين» والصناديق قد يحملان «قاتل هولاند» للإليزيه
صوت الفرنسيون بالدورة الأولى للانتخابات الرئاسية وسط استنفار أمني وصف بأنه الأغرب في تاريخ البلاد، وجاءت نسبة المشاركة اعتيادية في ظل مؤشرات على تأخر مرشحي أكبر حزبين هيمنا على الحياة السياسية طوال 35 عاماً وتقدم مرشحاً الوسط واليمين المتطرف.
شهدت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أجريت أمس إقبالا اعتياديا، وسط تدابير أمنية مشددة تحسبا لوقوع هجمات إرهابية، وترقبا لنتائج حاسمة لمستقبل الاتحاد الأوروبي يصعب التكهن بها.وبعد 4 ساعات من فتح مراكز الاقتراع وصلت نسبة المشاركة بالانتخابات التي تعد الأغرب في تاريخ فرنسا 28.54، بارتفاع طفيف عن مستواها في انتخابات 2012 (28.29 في المئة).وتم تعبئة أكثر من 50 ألفا من رجال الشرطة المدعومين بوحدات قوات خاصة من الأجهزة الأمنية الفرنسية في حالة تأهب قصوى، ونظموا دوريات في الشوارع بعد أقل من 3 أيام على مقتل شرطي بالرصاص وإصابة اثنين آخرين بجروح في شارع الشانزليزيه بوسط باريس في هجوم إرهابي.
ودعي قرابة 47 مليون ناخب للاختيار من بين مرشح جديد على الساحة السياسية موال لأوروبا يمثل تيار الوسط، وآخر محافظ مخضرم تلاحقه الفضائح ويريد خفض الإنفاق العام، ومرشح ثالث ينتمي لأقصى اليسار ويشكك في اليورو ومن معجبي الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، ومرشحة تعهدت بغلق الحدود والتخلي عن اليورو في سعيها لكي تصبح أول رئيسة لفرنسا.ويترقب العالم النتيجة بقلق، بوصفها مؤشرا على انحسار أو استمرار تصاعد المد الشعبوي الذي أدى إلى تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
دعوة وتصريحات
ودعا الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند الناخبين إلى «إثبات أن الديمقراطية أقوى من كل شيء»، وذلك لدى الإدلاء بصوته صباح أمس في الانتخابات.وأكد هولاند، الذي قرر عدم الترشح لولاية ثانية، في سابقة هي الأولى من نوعها بفرنسا، لدى تصويته في تول، معقله الانتخابي السابق وسط البلاد، يقظة واستنفار الأجهزة الأمنية التي تشارك في تأمين الاقتراع.من جهته، صرح المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون، أحد المرشحين الأربعة الأوفر حظا، بأن «من الأساسي الاقتراع في المراحل التي نعيشها». والتقط الصحافيون صورا له مع زوجته بريجيت أمام مكتب اقتراعه في توكيه.أما مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن فصوتت في اينان بومون معقل حزبها «الجبهة الوطنية» شمال البلاد.وسيمثل فوز هذين المرشحين بأكبر نسبتين من التصويت بالدورة الأولى تغييرا جذريا في المشهد السياسي، لأن الجولة الثانية لن تشمل أي مرشح من الحزبين الرئيسيين اللذين يحكمان فرنسا منذ عقود.وصوت مرشح اليمين فرنسوا فيون في حي راق غرب العاصمة قبيل الظهر. وكانت زوجته بينيلوب صوتت لدى فتح صناديق الاقتراع في سوليسم غرب البلاد مع اثنين من أولادها الخمسة.وبرغم استطلاعات الرأي غير الواعدة، قال المرشح الاشتراكي بونوا آمون إنه يشعر بـ «الطمأنينة» بعد تصويته في تراب بالمنطقة الباريسية.وكان جان لوك ميلونشون من اليسار الراديكالي، آخر المرشحين الذين أدلوا بأصواتهم، بعد أن انتظر في طابور أمام مركز اقتراعه في إحدى مدارس العاصمة.أوجه الغرابة
وتعد انتخابات أمس الأغرب في تاريخ فرنسا، فلأول مرة هناك 4 مرشحين رئيسيين من بين 11 مرشحا، اثنان منهم سيصلان إلى الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسي، وفقا لاستطلاعات الرأي المختلفة، حيث جميعهم باتوا في ذات الخانة تقريبا، أي إنهم يحصلون على نسب متقاربة في توجهات الناخبين يمكن أن ترجح دفة مرشح على آخر فقط من خلال هامش الخطأ، صعودا أم هبوطا.والمرشحون الأربعة هم ماكرون الوسطي زعيم حركة «المضي قدما»، لوبن مرشحة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، فيون مرشح حزب «الجمهوريين» اليميني وجان لوك ميلونشون مرشح حركة «فرنسا العصية» (اليسار الراديكالي).قاتل هولاند رئيساً
وأوجه الغرابة في الانتخابات، التي تجرى في ظل حالة الطوارئ المعلنة، أن المرشح الأوفر حظا للوصول إلى قصر الإليزيه، هو ماكرون، وزير الاقتصاد السابق لأشهر خلت، زعيم حركة «المضي قدما» التي أنشأها قبل عام من الانتخابات الرئاسية، والذي يقول إنه يساري الفكر ويميني التوجه الاقتصادي ووسطي الانتماء إلى أوروبا. وهو يصف نفسه بأنه مرشح «العولمة السعيدة» و«فرنسا المهمشة»، لبلسمة جراح الفرنسيين المهمشين الذين يعانون العولمة.ووجه الغرابة بإمكان وصول ماكرون إلى الرئاسة ينبع من أن الفرنسيين قد سئموا من هولاند، ولعبوا دورا في الحيلولة دون ترشيحه لولاية ثانية، ولكنهم في الوقت ذاته قد يحملون، بأصواتهم إلى قصر الإليزيه، الشخص الذي لعب دورا أساسيا في سياسة هولاند الاقتصادية التي أثارت غضب وحفيظة أكثرية الفرنسيين الساحقة.فماكرون كان عراب الانعطاف في سياسة الرئيس الفرنسي الاقتصادية، وهو من أقنعه بتبني سياسة العرض، أي بتخفيف الأعباء الاجتماعية عن المؤسسات الاقتصادية وليس عن المستهلكين عندما كان أمينا عاما مساعدا للرئاسة الفرنسية ووزيرا للاقتصاد. وكانت هذه المسألة وراء انفضاض ناخبي اليسار عن الرئيس الاشتراكي هولاند الذي تلقى ضربة قاتلة جراء انتهاج «سياسة العرض».ومن أوجه الغرابة هو أن 80 بالمئة من الفرنسيين يريدون أن يفوز بالرئاسة شخص يقلب الطاولة رأسا على عقب. وواحد من أصل 4 فرنسيين يرى أن ماكرون يجسد هذا الشخص.ومن أوجه الغرابة أيضا أن لوبن تحل في المرتبة الأولى أو الثانية في استطلاعات الرأي بالدورة الأولى، ولكن بقية المرشحين الثلاثة يتفوقون عليها في الدورة الثانية.فهي وإن نجحت بجعل حزبها «الجبهة الوطنية» القوة السياسية الأولى في البلاد، على مدار السنوات الخمس الماضية، إلا أنها غير قادرة على إحداث الخرق الكبير في صناديق الاقتراع للوصول إلى الإليزيه.ومن مفارقات الانتخابات أن مرشحي الحزبين الكبيرين، «الجمهوريين» و«الاشتراكي»، اللذين تبادلا الحكم في فرنسا على مدار الخمسة والثلاثين عاما الماضية، قد لا يصلان إلى الدورة الثانية.وإذا كان فيون قد دفع منذ 3 أشهر ثمن فضيحة متعلقة بوظائف وهمية لأفراد من عائلته، حيث تراجع في استطلاعات الرأي الى المرتبة الثالثة وأحيانا الرابعة، بعد أن كان الأوفر حظا في الوصول إلى سدة الرئاسة، فإن الأغرب هو أن المرشح الاشتراكي آمون مرشح الحزب الحاكم اليوم، يحل في المرتبة الخامسة، ويحصل على 7 في المئة من توجهات الناخبين.