حصدت أخيراً جائزة «ساويرس» للرواية، وقبلها نلت منحاً عدة. هل ترى أن المناخ الثقافي أصبح أكثر قدرة على استيعاب الجيل الجديد من الأدباء ودعمه؟

الأمور كافة آخذة في التدهور على مستوى العالم العربي، إلا الثقافة، فهي تنبت في أصعب الأوساط والبيئات. لا أقول ذلك بسبب الجوائز والمنح، رغم أنني سعيد بها، وإنما نظراً إلى الحراك الحاصل على الساحة منذ سنوات، سواء النشر، أو ارتفاع معدلات القراءة، أو النشاط النسبي في الصحافة الثقافية، وسهولة توافر محتوى القراءة بفعل شبكة الإنترنت. بعد ذلك، تأتي الجوائز والمنح، لكنها ليست السبب الرئيس. بحسب وجهة نظري المتواضعة، لم أر الساحة الأدبية العربية يوماً زاهية وضاجّة وحيوية كما هي الآن، وخلال السنوات الأخيرة.

Ad

تقدّمت بمجموعتك القصصية «الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة» العام الماضي إلى الجائزة نفسها ولم تفز بها، ما الذي تغيَّر هذا العام وما هي المعايير التي على أساسها تُمنح الجوائز؟

لم يتغيّر أي أمر سوى لجنة التحكيم، واللجنتان على صواب، لأنها مسألة ذائقة في النهاية والمعادلة لا تعمل وفقاً لـ 1 + 1 = 2. تخضع الفنون كافة لوجهات النظر وهي قابلة للتأويل وعلى رأسها الأدب. أما المعايير، فحقيقة لا أعرفها ولا أعرف هل هي إجماع اللجنة أم طريقة أخرى. لكن ما ورد في حيثيات حصول «الجنتلمان» على الجائزة هو التالي: «تلتقط هذه النصوص عوالم ووقائع، خارجية وداخلية، حافلة بأسباب الحياة، وتضعها جميعاً موقع التأمّل خلال «لعبة الكتابة في الكتابة»، وخلال السرد الذي يتلفّت حوله باستمرار، ويسائل نفسه باستمرار، والذي يقترن بإيقاع سريع لاهث، يجعل القارئ شاهداً أحياناً ومتورطًا في أحايين أخرى، وهو في كل الأحيان سرد غير نمطي، بعيد عن التقليد. والمجموعة، في نصوصها التسعة، تنهض على منحى بنائي متماسك وواضح، بما يصل بين هذه النصوص جميعاً، وبما يجعلها تتجاوز مجرد «تجميع» مجموعة قصص في كتاب واحد».

أثير لغط كبير حول «ساويرس» هذا العام بسبب كشف شخص مجهول أسماء قيل إنها للفائزين قبل إعلان الجائزة بفترة... كيف ترى ذلك؟

لم أصدق تلك الأقاويل منذ اللحظة الأولى، ولم أولها عناية، وتأكّدت من زيفها عندما خرج بعض المذكورين ليكذبها، كنفي الروائي إبراهيم عبدالمجيد ترؤسه لجنة التحكيم، ونفي الروائي مكاوي سعيد مشاركة روايته في الجائزة من الأصل. أعتقد أن الجوائز الخاصة بالشباب تحديداً تشهد نوعاً من التنافسية والحماسة، وربما لذلك نشاهد مثل تلك الأفعال.

«الجنتلمان»

معظم أبطال مجموعتك «الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة» يعيش أحلاماً مجهضة. هل يعكس ذلك إحباطك الشخصي؟

أبداً، بل يعكس إحباط الشخصيات فحسب، وتفاعلهم معه بالسخرية وحس الفكاهة والمفارقات، وهو ما يمثّل لي مقاومة بشكل أو بآخر. المصريون يقاومون بالنكتة والضحك وخفة الدم، ويثمّنون الدعابة والسخرية والمرح.

ذكرت في بداية مجموعتك القصصية الفائزة بالجائزة أنك تكتبها في إطار تمرينات للكتابة. هل الكتابة تحتاج إلى تمرينات أم أن الموهبة تحتاج إلى الخبرة؟

لست أنا من ذكر ذلك، بل الراوي في المجموعة، وهو شخص غيري بطبيعة الحال. أحب أن أقرأ وفقاً لنظرية «موت المؤلف»، وكانت مسألة التمرينات حيلة فنية لأمرر من خلالها أكبر قدر من التجريب، ولأمنح المجموعة سمة وشخصية. وفي ظني أن الكتابة مزيج من الموهبة ومن الدأب والاشتغال، وفي حال حديثنا عن السرد بالتحديد، خصوصاً الروائي منه، فإن للدأب هنا أكبر دور.

«عيَّاش» ودراما

بطل روايتك الجديدة «عيَّاش» محرر في إحدى الصحف يكتب تقارير أمنية في زملائه. هل هذه شخصية حقيقية التقيتها في حياتك العملية؟

لا يهمّ إن كانت حقيقية أو مَحض خيال أو مزيجاً من ذلك. أعتقد أن المهم حقاً أن تقوم بدورها كما ينبغي، وأن تكون متماسكة ومحكمة أمام القارئ. حياة الشخصية الأدبية أهم من حياة مؤلفها.

في روايتك الأولى «قاهري» كتبت جزءاً من سيرتك الذاتية. إلى أي مدى تظهر سيرتك في كتاباتك، وهل تعتمد على ذلك في أعمالك كافة، أم أنك تلجأ إلى مساحات أكبر من الخيال؟

لدي ميل إلى الكتابة الذاتية، أو الكتابة المتكئة على الذات، وأقدّر الكاتب الذي يندهش بحياته فيكتب عنها ومنها وبها، مع إخضاع ذلك كله لعدسة جماليات السرد. لكني في الوقت عينه، أحبّ التخييل الصرف، والفانتازيا والأحلام والكوابيس والتأليف، وبالمثل أقدّر المزج بين التيارين، وأرى أن الأهم هنا أن تبدو المادة المكتوبة أصيلة وتتمتع بمنطقها الداخلي المتماسك. أعمالي السابقة اعتمدت غالباً على كثير من خبراتي الشخصية بعد إخضاعها للتخييل، لكني في الرواية التي أشتغل عليها راهناً «أنا في اللابوريا» لجأت إلى الفانتازيا الصرفة.

تحوّل كتاب وأدباء شباب كثيرون إلى كتابة الأعمال الدرامية والسينمائية بحثاً عن الشهرة والمال. هل من الممكن أن تخوض التجربة مستقبلاً؟

أطمح إلى كتابة السيناريو، لأنني أحّب السينما والدراما، كذلك أحب التحدي وأراه حقلاً كتابياً جديداً يهمني أن أترك بصمتي فيه، وأعتقد أن نجيب محفوظ نموذج يجب أن يوضع في عين الاعتبار، فهو كتب للسينما قرابة 30 نصاً.

مدونون

ثمة آراء نقدية متشدّدة تقول إن عدداً كبيراً من الأدباء الشباب هم في الأصل مدونون على مواقع التواصل وأعمالهم لن تصمد طويلاً. يذكر أحمد مجدي همام في هذا الشأن: «الحقيقة أن الكتابة الجيدة جيدة والكتابة الرديئة رديئة، سواء كانت تخص شباباً أو كباراً ولا تهم الخلفية التي جاء منها الكاتب بقدر أهمية نصه. ربما تبدو روح التدوين في نص ما وتكون ضرورة فنية وموظّفة بشكل سليم، فهل يعني ذلك أن النص غير جيد؟ هذا رأي استباقي وغير مبني على معايير فنية».