«بنك الحظ»!
«بنك الحظ»، الذي كتب له السيناريو مصطفى صقر ومحمد عز الدين وأخرجه أحمد الجندي، أحد الأفلام الكوميدية التي لا تعرف الهبوط والابتذال، بينما دأب البعض على تشويه ذهنية المتلقي عبر أفلام تزعم أنها كوميدية، فيما تتسم بركاكة في البناء، وعشوائية في السرد، وارتجال في الأداء، بل إن بعض مخرجي الأفلام أدركوا خواء ما يقدمون ما دعاهم إلى ترك مساحة لكل ممثل في أن يملأ الفراغ بالشكل الذي يستطيع، وبقدر الموهبة التي يملك!شيء من هذا لن تراه في فيلم «بنك الحظ»، الذي لا تستطيع تجاهل الجهد المبذول في كتابته، والأداء التمثيلي الذي لا مكان فيه للارتجال أو العشوائية، فكل شيء محسوب، ومُقنن، سواء في مرحلة الكتابة أو على صعيد التنفيذ، مهما كانت تحفظاتنا على النتيجة التي انتهى إليها، وعلى رأسها الخلل الذي شاب السيناريو، ثم الفيلم بالتبعية، وتسبب في ترهل بعض المناطق، فالفيلم يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل، أولها التعريف بالشخصيات، مثل: «صالح» (محمد ممدوح)، الذي يعمل في أحد البنوك الاستثمارية بشكل مؤقت، نظراً إلى تأخر تعيينه، بسبب دأبه على إثارة المشاكل، بينما عُيّن زميله «عمرو» (أكرم حسني) لأن والده صاحب حصة في البنك، ولكونه الابن المُدلل، والشريك الثالث في مشروع «السايبر»، الذي يعمل فيه «زيزو» (محمد ثروت)، وتبدأ المرحلة الثانية مع صدور قرار فصل «صالح»، وعلمه – بالمصادفة البحتة – أن ثمة إصلاحات في البنك ستؤدي إلى تعطيل النظام الأمني زهاء ساعتين تقريباً، ما يشجعه على وضع خطة لسرقة خزانة البنك، التي تحتوي على خمسة عشر مليون جنيه، وبانتهاء إجراءات التخطيط للسرقة، تبدأ المرحلة الثالثة الخاصة باقتحام البنك، واحتجاز العملاء كرهائن، وهي المرحلة الأكثر ترهلاً (مونتاج وائل فرج)، وضعفاً على صعيدي الكتابة والإخراج!
النقطة الإيجابية التي تُحسب للفيلم أن المنطق كان حاضراً بقوة، فالتمهيد يبرر المواقف من دون وجود افتعال أو مبررات ساذجة، كما أن الشخصيات مرسومة بدقة، وعناية، على رأسها شخصية «رجاء» (لبنى محمود) أم البطل «صالح»، المكتوبة بطرافة كبيرة، رغم ما اعتدناه من تهميش دائم لدور الأم، لكن يعيب الفيلم الاستغراق في التفاصيل بدرجة أدت إلى وصول مدة الفيلم إلى ما يقرب من الساعتين، وهو ما يعني وجود «مط»، في حين كان يفترض أن يكون أكثر متعة لو اختار التكثيف، في المواقف والصورة (مدير تصوير أحمد عبد العزيز)، ويقفز على بعض التفاصيل الزائدة والمبالغات الفجة، كالقوة الخارقة التي كان عليها الكهل «عم مجداف» رجل الأمن، الذي تحوّل، فجأة، وهو بائع البانجو المعروف، إلى «سوبرمان» واجه – بمفرده – الثلاثي الذي اقتحم البنك، ونجح في إلحاق خسائر جمة بهم، والتهريج، الذي وصل إلى حد الغلظة، في العلاقة بين رئيس العصابة «شوكت» (بيومي فؤاد) وابنه «منير» (خالد كمال)، ومحاولة «الاستظراف» من جانب بيومي فؤاد، فضلاً عن العلاقة العجيبة بينه وبين عميلة البنك «رشا» (سامية الطرابلسي)، التي غاب عنها المنطق، وانقلبت الكوميديا إلى استفزاز!الأمر الذي لا شك فيه أن المخرج أحمد الجندي يمتلك من الموهبة ما يجعله واحداً من أهم مخرجي الكوميديا، في الفترة الأخيرة، على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، وظهرت هذه الموهبة بقوة في اختيار أبطاله كلٌ في الدور المناسب، مع توظيف إمكاناتهم، واستخراج أفضل ما لديهم، كما فعل مع أكرم حسني، الذي تألق بشكل غير متوقع، والصاروخ محمد ثروت، الذي يقدم الكوميديا بتلقائية وسرعة بديهة، فضلاً عن التوظيف الرائع للمقاطع الغنائية المرافقة أو اختيار أغنية Easy Money لفريق {شارموفرز}، كونها الأكثر تعبيراً عن مضمون الفيلم، بعكس النهاية التي بدت وكأنها محاولة يائسة لإغلاق الخطوط الكثيرة التي فتحها السيناريو، وتورط المخرج في لمّ شتاتها!{بنك الحظ} تجربة توافرت لها مقومات المتعة، رغم بعض العثرات، ويكفي أصحابها أنهم نأوا بأنفسهم عن الابتذال واحترموا عقلية الجمهور، الذي لا يوليه البعض احتراماً في مثل هذه النوعية من الأفلام، ولم تكن المبالغة سوى انعكاس لضرورة فنية، كالتي نراها في فن {الكاريكاتور}، ومن ثم جاء الفيلم مختلفاً عن نوعية الأفلام التي مزجت بين الكوميديا والحركة، ولم يسر على نهجها، بل تفوّق عليها، بفضل السيناريو، رغم وقوعه في فخ الإيحاءات الجنسية في مشاهده الأولى، والإخراج الذي بدا مسيطراً على زمام الأمور كافة!