مشكلة إيمانويل ماكرون
تتمحور القصة الحقيقية في فرنسا وأوروبا، التي كشفها بوضوح فوز ماكرون بهامش بسيط، حول غياب أي إجماع بين الأجيال البالغة اليوم بشأن كيفية إعادة صياغة مستقبل أوروبا، ولا شك أن "المستقبل" المثالي الذي يطرحه الوسط العالمي، في الوقت الحالي، أُرجئ إلى ما لا نهاية بسبب توالي الأحداث.
نجح التكنوقراطي الفرنسي إيمانويل ماكرون في التفوق على القومية المتمردة مارين لوبان في الانتخابات الفرنسية التي تابعها كثيرون عن كثب، فتمكن ماكرون من الحصول على نحو ربع الأصوات في سباق ضمّ 11 مرشحاً لتليه مارين لوبان بفارق بسيط، وهكذا سيواجهها ماكرون وجهاً لوجه في جولة السابع من مايو، لكن مؤيدي الوسط اللين الداعم للغرب (الذي يُعتبر أكثر ميلاً إلى العولمة المتحررة، والضوابط المالية والاقتصادية بدل الوكالة السياسية، ورفض إثارة أي اضطرابات اجتماعية) بدؤوا يحتفلون من اليوم.لكن الواقع يبدو أكثر سوداوية، فكم كان محزناً أن نرى خلال الحملة الفرنسية الوسطيين في اليمين واليسار يشددون على أنهم يستطيعون هزم قوى "التطرف" فحسب، تلك العبارة الشاملة التي لم تساعد الغرب في عملية تنظيم موارده لمواجهة الأعداء في الداخل والخارج! ويُظهر تواصل بروز الأحزاب الشعبوية والقومية، حتى الشيوعية، في أوروبا مدى تطرف رد الفعل الذي ولدته الليبرالية الجديدة القائمة بسبب إخفاقاتها حتى اليوم: جهود مكلفة وغير ملائمة اعتُبرت على التوالي خرقاء، وفوضوية، وغير فاعلة هدفت إلى إدارة شتى المسائل من أزمة منطقة اليورو إلى كارثة الهجرة.تتمحور القصة الحقيقية في فرنسا وأوروبا، التي كشفها بوضوح فوز ماكرون بهامش بسيط، حول غياب أي إجماع بين الأجيال البالغة اليوم بشأن كيفية إعادة صياغة مستقبل أوروبا، ولا شك أن "المستقبل" المثالي الذي يطرحه الوسط العالمي، في الوقت الحالي، أُرجئ إلى ما لا نهاية بسبب توالي الأحداث، فلا نشهد راهناً حتى محاولة للاعتماد على "نهاية التاريخ"، فيدور التاريخ كما لو أنه أسطوانة مشروخة، عائداً باستمرار إلى الاضطرابات ذاتها: معضلة مالية واقتصادية مفتوحة لا حل منطقياً لها ولا أخلاق عميقة كافية لختم الجرح والانطلاق من جديد. حالة دائمة من الهلع المحدود المستوى في سلوك الشرطة وعمليات المراقبة وتخبط وسط قيود غير وافية وغير حضارية بغية تفادي العدد الكافي من الانتهاكات والهجمات الإرهابية، بغض النظر عن ماهية هذا العدد السحري، وضياع كامل لأي خطة ترمي إلى الدفع بوحدة الاتحاد الأوروبي التنظيمية إلى مرحلة التميّز التي لطالما حلم بها المشروع الأوروبي واعتبرها علّة وجوده، مهما كانت مجردة.
تنحصر النتائج في الحياة أحياناً بالنجاح أو الإخفاق مصادفة، ولكن علينا مرةً أخرى أن نعاني هذه الآلام والمشقات باسم الأهداف ذاتها: الوجه الأخلاقي العلماني للطف المطلق، وروح آخر أمين مكتبة أو مدير متحف في العالم، ومتعة المذهب المادي المنوّر الصغيرة العابرة، والبيروقراطي الاشتراكي الذي يقضم جوانب الظلم العاطقي تماماً كما يعمل السجناء على تركيب أحجية الصور المقطوعة.هل يعتقد أحد حقاً أن هذه القيم كافية لجعل المعاناة الدائمة تستحق العناء؟من الواضح أن أجيال فرنسا وأوروبا الناشئة، التي تتعثر في بحثها عن بدائل قديمة وجديدة، لا تبدو مقتنعة، فتخيّل أنك مراهق في الرابعة عشرة من عمرك في باريس، بغض النظر عما إذا كنت علمانياً، أو كاثوليكياً، أو مسلماً، هل يمكنك أن تتقبّل لدقيقة واحدة أن من واجبك تحمّل العالم الذي بناه المسنون في مجتمعك؟* «جيمس بولوس»