ما الذي يريده الروس؟!

رغم كل محاولات "التقرُّب" ومحاولات تغليب المصالح المشتركة معها على بعض الخلافات، فقد ثبت بعد كل هذه الفترة منذ انفجار الأزمة السورية، أن روسيا لم تتخل عن نظام بشار الأسد، إنْ ظالماً وإن مظلوماً، وهو ظالم دائماً وأبداً وباستمرار، وإلا لكانت هذه الأزمة قد حُلَّت منذ البدايات، وبخاصة أن المطلب الشعبي في عام 2011 قد اقتصر على تخفيف قبضة الأجهزة الأمنية وإحداث انفراج، ولو محدوداً، بالنسبة للحريات العامة، وإجراء إصلاحات "معقولة" في مؤسسات الدولة، وتخفيف استبداديةٍ تجاوزتها مسيرة الزمن، وقد دخلت الألفية الثالثة العقد الثاني من سنواتها.

لقد كرر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي كان قام قبل يومين بزيارة خاطفة إلى موسكو لاستطلاع مستجدات مواقفها، الكلام نفسه الذي بقي يقوله خلال كل أعوام الأزمة السورية، فـ"الوجود الروسي والإيراني ووجود حزب الله أيضاً في سورية جاء بدعوة وموافقة من الحكومة الشرعية! ومجموعات المعارضة كلها تنظيمات إرهابية وبشار الأسد يجب أنْ يبقى رئيساً وفي موقعه حتى نهاية ولايته الحالية... ثم إنَّ من حقه أن يترشح لولاية جديدة إنْ أراد ذلك".

ولعل الأخطر من هذا كله أن الروس، الذين حسب اتفاقيات "أستانة"، هم أحد الضامنين لوقف إطلاق النار، لم يلتزموا بوقف إطلاق النار ولا للحظة واحدة، وأنهم فوق هذا كله متورطون حتى آذانهم في عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي التي يقوم بها النظام، وأيضاً في عمليات تفريغ العديد من المناطق السورية "السنية" من سكانها، وإحلال المستوردين الإيرانيين والأفغان محلهم، وفي هيئة عمليات استيطان ومستوطنات كالاستيطان الإسرائيلي في فلسطين والجولان.

كان هناك رهان من قبل طيبي القلوب من العرب على أنَّ الغزو الروسي لهذه الدولة العربية، سورية، سيكون مؤقتاً وإلى حين إيجاد حلٍّ لهذه الأزمة التي غدت معقدة على هذا النحو بسبب التدخلات الخارجية والإقليمية، لكن ثبت مع الوقت أن هذا الرهان خاسر وأنَّ روسيا لها حساباتها الخاصة بالنسبة لهذا التدخل الذي تحول مع الوقت إلى شكل بشع من أشكال الاحتلال ومصادرة الإرادة الوطنية والقرار الوطني، وأن لدى فلاديمير بوتين مطالب كثيرة يسعى إلى تحقيقها قبل إنهائه.

وهكذا فإن ما يريده فلاديمير بوتين، الذي يسعى لاستعادة ما يعتبره أمجاد بلاده في عهد القياصرة وفي عهد الاتحاد السوفياتي و"الرفيق" جوزيف ستالين، هو بقاء قواعد روسيا في سورية، وإلى الأبد، وهو تنازلات مجزية في "أوكرانيا" وفي جمهوريات البلطيق وأيضاً في بعض دول أوروبا الشرقية، هذا بالإضافة إلى دورٍ فاعل في المعادلة الدولية الكونية، لا يقل عن دور الولايات المتحدة الأميركية، ومعها كل دول حلف شمالي الأطلسي الكبيرة منها والصغيرة!