يجذب عرض Bodensee Therme الشهري المخصص لساعات الليل المتأخرة السكان المحليين كما السياح الذين يركبون الدراجات الهوائية ويبحثون عن صفقة مربحة. لقاء 35 يورو، تحظى بجلسة من الاسترخاء في الماء تدوم أربع ساعات وتبدأ في العاشرة ليلاً، فضلاً عن أنك تستطيع الاستفادة من طاولة عشاء مفتوحة يمكنك أن تختار منها كل ما تريده.

كانت أطرافنا تؤلمنا، وما كان من سبيل إلى الغوص في حوض الماء الدافئ والتنعُّم بالراحة إلا بالتخلي عن خجلنا. ولكن ما هي إلا لحظات قليلة حتى انضم إلينا أربعة رجال ألمان مسنين بدينين.

Ad

شكّل الاستحمام مع غرباء أحد تحديات كثيرة واجهتنا وتخطيناها خلال مغامرتنا على الدراجات الهوائية حول بحيرة كونستانس، علماً بأن هذه إحدى أكثر الرحلات على الدراجة الهوائية شعبيةً في أوروبا.

جولة حول المدن

تشير التقديرات إلى أن 400 ألف شخص يجتازون كامل المسار حول بودنسي البالغ طوله 270 كيلومتراً أو أجزاء منه كل سنة. يقع المسار على هضبة تعلو عن البحر نحو 400 متر، ويذهب محبو الدراجات الهوائية في جولة حول ألمانيا (172 كيلومتراً)، وسويسرا (70 كيلومتراً)، والنمسا (28 كيلومتراً).

تضم المدن الكبرى كافة على طول هذا المسار منشآت لتأجير الدراجات وفنادق تستقبل الدراجين بحفاوة. يستطيع هؤلاء حمل مؤنهم معهم في سلال أو التنسيق مع متاجر الدراجات أو وكالات تنظيم الجولات التي تزوّدهم بأكياس فيها مستلزماتهم في المحطات التي يتوقفون فيها ليلاً. قررنا اختيار الحل الثاني، معتمدين على خدمات وكالة Radweg-Reisen (www.cycling-holiday.com).

انطلقنا أنا و»لي» من بريغنز بالنمسا التي تبعد نحو 90 دقيقة بالقطار عن مطار زوريخ الدولي. أخذنا يوم استراحة لنعتاد المنطقة الزمنية الجديدة وأمضينا الصباح في استكشاف طريق تنزه بطول 1.6 كيلومتر على ضفاف البحيرة، فضلاً عن مسرح الأوبرا العائم فيها الذي ظهر في فيلم جيمس بوند عام 2008 Quantum of Solace. كذلك استقللنا عربة كابل إلى أعلى جبل بفاندر على ارتفاع 520 متراً، حيث تأملنا البحيرة العظيمة تحتنا. بدا المنظر مذهلاً ومخيفاً في آن. هل نستطيع حقاً الالتفاف حول البحيرة كلها؟ أود أن أقدّم نصيحة للدراجين الذين يودون خوض هذا المسار: احتفظوا بهذا المشهد لليوم الأخير عندما تنهون الرحلة.

أكواخ ونوافير

في اليوم التالي، انطلقنا على دراجتينا الهوائيتين في سعي إلى اجتياز مسافة 64 كيلومتراً تقريباً في القسمَين النمساوي الصغير والسويسري الأكبر حجماً. توقفنا غالباً لنلتقط صور أكواخ الشاليهات السويسرية الخشبية بمصاريعها المطلية بأشكال فنية ولنملأ زجاجاتنا بالماء من النوافير العامة.

رحبت بنا وجهتنا لذلك اليوم، مدينة كونستانس الألمانية المميزة التي تضج حياةً، بتمثال بطول تسعة أمتار لفتاة تطلّ على المرفأ.

توجهنا إلى جزيرة وحديقة ماينو المجاورة. تُعتبر هذه ثالث أكبر جزيرة في البحيرة وتضم تحفاً نباتية كثيرة تشكّل متعة للعين: من الشجيرات المشذبة التي تشبه شخصيات «ديزني» إلى حقول الورد الشاسعة. ما إن عبرنا الجسر لنصل إلى المدخل، حتى نسينا الأفكار عن حرق المهرطقين وتجريد الباباوات من صلاحياتهم.

ظلت أفكارنا عن التعذيب وإراقة الدماء محدودة إلى أن بلغنا اليوم الثالث من رحلتنا، عندما غادرنا أنا و«لي» المسار الرئيس لنقوم برحلة على طول 19 كليومتراً لنبلغ سالم وديرها، وقصرها، ومتاجرها. خلال مغامرتنا هذه صعوداً على الحصى، سقطت «لي» وسرعان ما لحقت بها، ما جعلنا نتوق إلى حوض الماء الدافئ (لولا مَن انضموا إلينا في ذلك الحوض) عندما بلغنا أخيراً أوبرلنغن في تلك الليلة.

منحدرات ومتحف

سرّنا أن تطورات اليوم الرابع كانت سلسة. تتألف مدينة ميرزبرغ التاريخية على بعد 11 كيلومتراً فقط من قرية ألمانية ساحرة أخرى تنضم إليها قرية عليا أكثر جمالاً. رحنا نتسلق منحدرات التلال الحادة ليُفاجئنا قصر ميرزبرغ القديم بحالته المذهلة، علماً بأنه يعود إلى القرن السابع.

كنت أتحرّق شوقاً لزيارة متحف زيبيلين في فريدريخشافن منذ أن تنبهتُ للرحلات السياحية اليومية بالمنطاد فوق البحيرة (تنظّم هذه الرحلات شركة خاصة من حظيرة زيبيلين للطائرات وتغطي مسافة 3 كيلومترات تقريباً). في ثلاثينيات القرن الماضي، اختصرت شركة زيبيلين الوقت الضروري لاجتياز المحيط الأطلسي من خمسة أيام بالباخرة إلى أقل من يومين جواً. وفيما رحت أتجوّل بين حجرات الركاب الفاخرة التي أعيد تركيبها، كوّنت نظرة تقدير جديدة إلى السفر جواً حين كان في أوج عظمته.

مزارع غنية

خلّفنا فريدريخشافن وراءنا ورحنا نجتاز أراضي المزارع الغنية في جزيرة لندو، متوقفين مراراً عند الأكشاك على جانب الطريق لنملأ جيوبنا بالكرز المحلي. عبرنا بعد ذلك ساحة لندو الرئيسة بدراجتينا ووصلنا إلى كنيسة القديس بطرس القديمة، التي تضمّ لوحات جدارية عن آلام المسيح تعود إلى مطلع القرن السادس عشر.

كانت الشمس شارفت على المغيب عندما أنهينا المسار وعندما وصلنا إلى بريغنز، فالتقطنا صور «سلفي»، ونشرنا الأرقام التي أشار عدادَا دراجتينا إلى أننا اجتزناها، وشعرنا بالفخر لأننا عرفنا أننا غامرنا وخرجنا من المنطقة المريحة بالنسبة إلينا، حتى في حوض الماء ذاك، وكانت النتيجة مذهلة.