نقطة : الكرة في ملعب الشباب
لم أكن من المتحمسين كثيراً لمبدأ "تشبيب" المقاعد البرلمانية على إطلاقه، فبظني أن من متطلبات المشرع الجيد، بالإضافة إلى جودة التعليم، تمتعه بالحكمة والرويّة وسعة الأفق ورحابة الصدر، وغالباً ما تتوافر هذه الصفات لدى متوسطي العمر وكبار السن الأكثر نضجاً ودراية بتجارب الحياة وطبائع الأمور وعادات البشر، فعنصر الشباب قد يكون أكثر أهمية وجدوى في المناصب الوزارية والأعمال التنفيذية، فهي الأكثر حاجة إلى الطاقة والاندفاع المتوفرين لدى الشباب بكثرة، بعكس حاجة المناصب التشريعية إلى ذوي الخبرة والصبر و"الركادة"، لا يعني ذلك وأد طموحات الشباب بالتمثيل البرلماني، لكن صغر السن بحد ذاته، دون تميز بالفكر والشخصية، ليس مبرراً كافياً للتفضيل، كما أن الشباب الأهم هو شباب العقل والأحلام والقلب، كما يتكرر دائماً، فالسيد أحمد السعدون على سبيل المثال قد يكون أكثر شباباً ومعاصرةً من شاب سلفي يحلم بأن يعيدنا قروناً للوراء. لكن، كعادتها، جرت الانتخابات الأخيرة بناء على مزاج الشارع وهواه، لا عقله، فنجح مجموعة لا بأس بها من الشباب، تماشياً مع هذه الموجه ليكملوا الطريق مع من سبقوهم من مجايليهم، فأتمنى صادقاً من كل قلبي أن يخيبوا ظني ويكونوا عند حسن ظن من آمن بهم وبشبابهم.فالناس تسعى للتغيير، أو هكذا يدعون، ويعتقدون أن تغيير الأشخاص كفيل بتغيير الأفكار والآراء، مما سيؤدي تلقائياً إلى تغيير الوضع القائم، وكونكم مستجدين نيابياً فذلك يفترض أنكم لستم مدينين لأحد بشيء، لذا فلستم مضطرين لاتباع الطرق والاصطفافات القديمة، فحسبي أن الناس ينتظرون منكم سلوك طريق جديد مليء بالأفكار والأساليب الجديدة والحيوية، بما يثبت جديتكم وفهمكم للحياة والمتغيرات السريعة في العالم من حولنا، بعيداً عن التنافسات التقليدية، وبلا مزايدات عقيمة وشعارات مكررة لإثبات بطولات لا داعي لها، فإذا ما مارستم واتخذتم ذات أساليب ومواقف من سبقوكم في هذا المضمار، فعندها ربما سيعيد من انتخبكم التفكير جدياً بإعادة انتخاب الأصل، عوضاً عن التقليد.
والآن، وقد مرت على الانتخابات ستة أشهر تقريباً، ودور الانعقاد شارف على نهايته، اتضح منذ البداية استعجال بعض النواب الشباب لتقمص أدوار العواجيز والمتقاعدين وتقليد حتى حركاتهم ولغتهم الستينية القديمة، مما يدل على عدم قدرتهم الواضح على الخروج من جلباب من سبقوهم، وياليت الجلباب كان "زين"، لَتلمّسنا لهم العذر، لذا فما أتمناه اليوم من السادة النواب الشباب هو مراجعة أدائهم أثناء العطلة التشريعية، لإكمال باقي مدتهم النيابية بتميز نوعي، فعقلي المحدود، رغم قِدمه النسبي، لا يستسيغ مثلاً من مُشرع شاب في مقتبل عمره، وفي عصر النانو تكنولوجي والسيجارة الإلكترونية، أن يصرح دفاعاً عن زميله الشاب المتقمص الآخر، حاثّاً إياه على الصمود في مواجهة خفافيش الظلام، فبعيداً الآن عن قصة احترام الرأي الآخر والتصنيف والإقصاء والحط من قدر المخالفين من جانب مشرع يمثل الأمة كلها، منين مطلع الخفافيش؟! وعلى فكرة السيد "باتمان" يتمثل بالخفافيش، وهو رجل إصلاحي، والشهادة لله.