راهناً يتبدى زمن العولمة ليس كبقية الأزمان، أقلها لكونه قد فجر تحت أقدام الإنسانية تحديات لم تعهدها، وقيض لها، من جانب آخر، فرصة الإطباق على الأفق الإنساني برمته، وفي وضع كهذا تطغى عليه يد الحتمية الطولى يبدو ألا أحد مستثنى من مواجهة هذه التحديات، ومن ثم التحول إلى طرف فاعل في صيرورة العولمة. ربما تثقل تلك التحديات بباهظ وطأتها خصوصية بعض الدول التاريخية والثقافية لكن تلك الحسبة التي يتضاءل فيها السلب لن تعوق قيام قانون ونظام عالمي من شأنه تيسير التفاعل ما بين الكيانات الفاعلة في الكوكب، أو لو استعرنا عبارة بابلو نيرودا: في اعتناق أسلوب الحياة على الأرض.
فمنذ أن تلاشى دخان الحرب العالمية الثانية صعوداً إلى زمننا الراهن سال حبر كثير في صياغة الاتفاقيات الدولية التي ألجمت إغراءات المزيد من النزاعات الكبرى، لتصميم السلوك الواجب على الكيانات السياسية الالتزام به ومن ثم دفعها إلى تخوم الواقعية السياسية.وتلك الاتفاقيات تغطي باتساع قضايا كثيرة كالتجارة، الاستثمار، النقل البحري، المحيطات، الحدود، البيئة، حقوق الإنسان، النزاعات المسلحة، كما أنها تتمطى لتطول أخرى، وقد مهرت أغلب الكيانات السياسية بتواقيعها هذه الاتفاقيات، إذ إن القوانين التي تعمل وفقاً لها تلك الاتفاقيات كانت موضع إجماع والتزام ناهيك عن كونها ترسم الخطوط العريضة للتعاون المنشود في عالم تزداد فيه شراهة الكيانات السياسية للاستقلالية من جهة وتوسيع ميدان نفوذها الحيوي.وهذه الحقيقة تلوح مصيرية مع ما نراه الآن من تفشي ظاهرة الدول الضعيفة التي لا تديرها سلطة مركزية قوية، وارتفاع في وتيرة الهجرة وانزياح الكتل البشرية بين الدول، وتعرض الحدود الدولية للاختراق المنظم، وبروز قوى مدمرة غير حكومية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وجرائم ضد الإنسانية، وتفشي الأوبئة. ولأن الأمر على هذا النحو فإن الدول يجب عليها الإسهام في تعزيز القانون العالمي، وأن تخطو خطوة متقدمة لجعل قوانينها الوطنية متوائمة مع القوانين العالمية، وحسبنا أن الأخيرة جزء من تراث الإنسانية، ومجترحة من قيمها، والتوفيق بين المصلحة الوطنية والقانون الدولي إنما سيضفي على سلوكها ضربا من العقلانية يتماهى في نهاية المطاف مع ما تصبو إليه القيم الإنسانية بإطلاقيتها.
مقالات
رهاب العزلة الكونية
30-04-2017