تعرفت إلى الصديق الروائي محمد حسن علوان قبل سنوات طويلة وهو يحضر رسالة الدكتوراه في العاصمة الكندية، وشكَّلنا والزميل د. محمد الخازم ثلاثياً نلتقي كلما سنحت الفرصة. وقبل سنة تقريبا أرسل لنا محمد علوان مخطوطة روايته الأخيرة (موت صغير)، ولم يكن قد استقر على عنوانها بعد. ولكي أكون أمينا، فأنا ود. الخازم خالفنا الزميل علوان، وكنت أرى أن الرواية سيرة ذاتية طغت عليها اللغة الكلاسيكية، ولم يكن للخيال دور كبير في السرد، الذي اقترب من ستمئة صفحة تقريبا. لكن ذهولي من قدرة محمد علوان الفاتنة في التمكن من سيرة ابن عربي وسردها بهذا الاتقان البهي كان أهم من ملاحظاتي النقدية للعمل. فحتى وإن قرأ محمد علوان كل ما كتب عن ابن عربي وما كتبه ابن عربي، فتحويل ذلك إلى عمل روائي كان لا شك مثار إعجاب وتقدير.
حققت الرواية نجاحا، وبلغت القائمة القصيرة بين مجموعة من كُتاب لهم باع طويل، كإسماعيل فهد إسماعيل والياس خوري، ولم أتوقع أن تفوز الرواية للأسباب ذاتها التي ذكرتها. وأيضا لأنني اتهمت الجائزة سابقا بالمحاصصة، فقد توقعت فوز ليبيا هذه المرة. لكن اللجنة كان لها رأي آخر، ومنحت الجائزة لرواية مغايرة، ولمجهود كبير بذله الروائي علوان في النص. ونحن هنا نبارك لزميلنا الذي ترشح من قبل عن روايته "القندس"، ونبارك له مثابرته في العمل الروائي والأكاديمي.انتهت حفلة "البوكر"، لكن ما تبعها يبدو أنه خارج اللعب النظيف، وخارج إطار الأدب والثقافة، خرج البعض ليحيل المسألة لمنحى القطْرية، ويدخل فوز رواية بجائزة في صراع بين بلدين لا علاقة للجائزة وصاحبها به. وابتعد الجميع عن الرواية التي لم يقرؤوها، ليدخلوا في حسابات وصراعات مع الكاتب وبلد الكاتب. وليس لهذا سوى تفسير وحيد، هو أنه لم تكن هناك ثقة بالعمل الأدبي في الخليج، ومازال البعض يعتقد أن الحياة تتوقف عند تاريخ ما أنجزه بلده. ليس ذنب علوان أنه كاتب سعودي كي يتحمل فوزه وفرحته بفوزه كل هذا السيل من ردة الفعل البغيضة. الجهد الذي قدمه الرجل وما يقدمه كل كُتاب الخليج، وما تقدمه المؤسسات الخليجية اليوم لدعم العمل الثقافي، جاء رافدا مهما للعمل الثقافي العربي، ومساهمة في خلق بيئة ثقافية متحضرة تحتوي الجميع، لكن للأسف لم يتم التعامل معها كما يجب.الموضوع الأهم حقيقة في الجائزة، وهو يتكرر غالبا في كل دورة، بسبب ممارسة أمناء الجائزة في اختيار رئيس اللجنة. فمن الاقتصادي الذي لا يرى في الرواية سوى "حدوتة" إلى الشاعر الذي لم يكتب رواية في حياته، ولم ينقد رواية يوما ما، ثم الروائي الذي لا تصل أعماله إلى مستوى أعمال الروائيين التي يحكمها يتم ظلم كثير من الأعمال الجميلة، كما حدث مع الطلياني وشوق الدرويش. وما طرحته سحر خليفة، وهي روائية لا تفوق زملاءها بالكثير ولا بالقليل، بألا توجد روايات عربية مهمة، وأن ما كتب لا يستحق الورق الذي طبع عليه، وأن ما تم فرزه هو أفضل السيئ. هذه التصريحات وطريقة طرحها تسيء للجنة ورئيستها، وليس للعمل الروائي العربي، الذي تمثل سحر خليفة جزءاً منه. ونحن نعرف، وهي تعرف كذلك، أنها لا يمكن أن تقرأ هذا العدد الهائل من الروايات في وقت قصير لتصدر هذه الأحكام.أعتقد من الأفضل دائما أن توكل مهمة الرئاسة لناقد عربي، وليس لروائي يفرز أعمال زملائه ويرى أنه لا تستحق.
توابل - مزاج
«موت صغير» وصاحبها
30-04-2017