خطة أميركية لحماية التجارة بين الخليج و«أعالي الفرات»
وافق رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أخيراً على منح شركات أميركية حق استثمار جزء حيوي من الطريق البري الذي يربط موانئ البصرة والخليج بالأردن وسورية وتركيا، ما يشمل إعادة تأهيل الممر الاستراتيجي المُنشَأ قبل أربعة عقود، والذي تضرر كثيراً بفعل حروب طويلة كان مسرحا لهاً. والأهم من التأهيل أن تلك الشركات ستتولى الحماية الأمنية لهذا المسار التجاري الحساس.ويقول المراقبون في بغداد، وهم يشيرون إلى علامات انزعاج إيراني، إن الأمر أكبر من مجرد حماية طريق دولي، فعبر التاريخ كانت طرق التجارة بين الخليج وأوروبا وخلال مرورها بالعراق والشام، مسرحاً لأعقد المواجهات السياسية والعسكرية.ويتعلق الجزء المعلن من المشروع حتى الآن بالقسم الواقع في محافظة الأنبار غرب بغداد، وصولاً إلى الحدود السورية والأردنية، لكن الدلالات السياسية تشير إلى أن بغداد وواشنطن متفقتان على ترسيم حدود للنفوذ الإيراني، بما يمنع طهران من مد طموحاتها إلى ما وراء شاطئ الفرات، بحيث تقدم واشنطن المساعدة الفنية والعسكرية لحماية خط التجارة ابتداء من حقول النفط والموانئ في البصرة، وصولاً إلى غرب بغداد عند حدود سورية والأردن، ثم مواصلة التجربة ذاتها انطلاقاً نحو الموصل في الشمال على حدود تركيا.
ومن شأن هذا السيناريو أن يمنع ايران والفصائل المرتبطة بها من امتلاك مسلك بري يربط طهران بدمشق وشواطئ البحر المتوسط، إلى جانب تحصين خطوط تصدير البضائع والنفط والغاز لاحقاً.وانبرى أكثر من مسؤول في الفصائل المسلحة المقربة إلى طهران لانتقاد هذه الاتفاقات، مؤكدين أنه نوع من «احتلال بأسلوب جديد، يقوم به الجيش الأميركي» في العراق.ومطلع أبريل الجاري، وصل فريق فني تابع للشركات الأمنية الأميركية لاستطلاع الطريق الدولي، لكن ما يقلق الفصائل المسلحة هو الترحيب الواسع في الأنبار بهذا الوجود الأميركي، وصمت حلفاء رئيس الحكومة في النجف على هذا اللغط، مما يعني تأييداً ضمنياً لحزمة إجراءات من شأنها تقييد النفوذ الإيراني، فضلاً عن عدم الزج بالعراق في المشاكل الإقليمية وراء نهر الفرات، مثلما يرغب رجال الدين الشيعة في العراق والذين يعارضون بوضوح ذهاب مسلحين عراقيين بدعم إيراني للقتال في صف الرئيس السوري بشار الأسد.ويتزامن هذا الجدل مع تأكيدات بأن الفرقة الأميركية المعروفة بـ«101» المحمولة جواً، والتي قدمت من الكويت أخيراً، توجد بشكل أساسي في الأنبار، وتقدم دعماً كبيراً للجيش العراقي في أكثر من منطقة، والأهم من ذلك ما تناقلته مصادر عسكرية من أن عناصر من الحشد العشائري السني، الذين تدربوا على يد الجيش الأميركي، شاركوا في عمليات الإنزال الجوي للفرقة المذكورة، وأن هذا سيكون النموذج الشائع في تأمين الطريق الدولي على المدى الطويل، حيث تشارك في العملية قوة حسنة التدريب تتشكل من نحو 2500 مقاتل سني من الأنبار، وتنسق بطريقة محترفة مع القوات العراقية والأميركية. وسيجري في المراحل اللاحقة من المشروع ضمان آلاف الوظائف الجيدة لجمهور فقير يتبع الأحزاب الشيعية جنوب العراق، في حين سيستوعب المشروع آلاف المقاتلين السنة شمال البلاد وصولاً إلى محافظة نينوى، ما يمكن أن يمثل «إعادة صياغة» للنظرية الأمنية والإدارة في المدن السنية بالعراق.