«فوبيا»!
من حيث الأوراق الرسمية يبدو بعض النتاجات السينمائية الأخيرة منتفية العلاقة و«آل السبكي»، لكنها من حيث الشكل والجوهر صورة طبق الأصل من الأفلام التي دأبت «السبكية» على إنتاجها، وكأنها صارت بالنسبة إلى المنتجين العاملين على الساحة «أسلوب حياة»!فيلم «فوبيا»، الذي كتبه خالد شيباني وأخرجه إبرام نشأت ويُعد باكورة إنتاج إحدى الشركات الجديدة، واحد من هذه النوعية «السبكية»، بل يمكن القول إنه تفوّق عليها بدليل الكم الهائل من الأغاني التي قذف بها الفيلم في وجوه المشاهدين، وبدت أكثر نضجاً وغزارة من النص والحوار!بالطبع لجأ الفيلم إلى التغرير بجمهور المشاهدين، عبر الإيحاء بأنه يتوغل في قضية علمية تتعلق بالمرض النفسي الرهاب أو «الفوبيا»، أي الخوف الشديد الذي يتمكن من الإنسان، حيال مواقف أو نشاطات أو أجسام أو أشخاص عند رؤيتها أو التفكير فيها، ما يجعل المريض، الذي يُدرك حقيقة ما أصابه، يعيش في قلق وضجر، لكنه لا يستطيع التخلص منه من دون الخضوع للعلاج النفسي. وهي قضية على درجة من الأهمية والحيوية لكنها في حاجة إلى الاحتكام إلى البحث والمراجعة والدراسة، فضلاً عن الأساتذة والمتخصصين، قبل تناولها على الشاشة بالسطحية التي قدمها بها المؤلف الشيباني والمخرج نشأت، فقد قسَم الطب النفسي «الفوبيا» إلى أنواع عدة، مثل: رهاب الأماكن العالية (الارتفاعات والمرتفعات والطائرات)، ورهاب الأماكن المغلقة، ورهاب الخلاء، ورهاب الضوضاء، ورهاب النظافة، ورهاب الحيوانات (القطط والكلاب والفئران)، والخوف من الحشود، ورهاب الشمس، ورهاب الدم، والخوف من الأعاصير أو العواصف. لكنها المرة الأولى التي نرى فيها إنساناً واحداً اجتمعت في نفسه أنواع «الفوبيا» كلها في العالم.
الأحداث تدور حول الشابين «جلال» (عمرو رمزي) و»باهر» (رامي غيط)، اللذين يعيشان على النقيض من بعضهما البعض، فالأول اختار العزلة والفوضى ولا يعرف للنظام سبيلا بينما الثاني دقيق ومنظم وصارم. في حين يعمل «جلال» كمدرب للأسود في السيرك فإنه مصاب بـ «فوبيا» تجاه الفئران والعصافير والماء ويهوى سماع الأغاني الشعبية، فيما يعاني مهندس البرمجيات «باهر» «فوبيا» حيال القطط والنار ويتعاطى السيمفونيات الكلاسيكية. ولسبب عبثي ليس له ما يبرره تقودهما الأقدار للعمل معاً في قصر اضطر أصحابه إلى السفر!حجة غاية في السذاجة ساقها السيناريست لتبرر اجتماع الشابين في مكان واحد، لكن السذاجة تبلغ منتهاها مع ظهور «نورهان» (الطفلة جنا) وجدتها (نهال عنبر) وجدها (أحمد راتب) في ثياب «العفاريت» أو«الأرواح الطيبة» لمطالبة الشابين بتوطيد العلاقة بينهما، وتحويل التناقضات إلى مساحات تفاهم واتفاق، والتوسط للصلح بين والدي الطفلة «نورهان» كي تهدأ روحها الهائمة في السماء!باستثناء الخدع السينمائية (محمد الزواوي) والمؤثرات السينمائية و«الغرافيكس» (إسلام أوفر) لا يمكن النظر بعين الجدية إلى تجربة فيلم «فوبيا»، التي اتسمت بالسذاجة وغلب عليها التهريج، ولم تخل من العشوائية، وخلط الأوراق، والحوار الركيك، والسيناريو الهش الذي امتلأ بشخصيات لا لزوم لها، ابتداء من الطبيبين النفسيين «شكرية» (رانيا محمود ياسين) و«نظيم» (أيمن قنديل) والفتاتين الدخيلتين «نورا» (راندا البحيري) و«إلهام» (ميرهان حسين)، اللتين هبطتا القصر في تمثيلية مفتعلة، و«حسن» (حسن عبد الفتاح) وسائق التاكسي (سليمان عيد)، الذي أضفى لمسة طريفة على التجربة، على عكس ما فعل علاء مرسي وزوجته في الفيلم «رشا» (بدرية طلبة)، اللذان دبرا لسرقة القصر. لكن الفيلم وقع في فخ الغلظة والاستخفاف، والرغبة في استدراك الضحك «بالعافية»، بسبب السيناريو الضعيف، والتصدي لقضية غير ملم بجوانبها وأبعادها، ترك آثارها على إيقاع الفيلم (مونتاج محمد جلال) الذي أصيب بترهل، وساد المواقف كثير من الافتعال، والمبالغة الفجة، وزاد على هذا الرسائل المباشرة التي تحاكي الخطب والعظات التي تُلقى على المنابر!أهم نقطة لا يمكن تجاهلها في فيلم «فوبيا» وثيقة الصلة بفقر الإنتاج، والهزال الشديد، وهو ما تجلى بشكل صارخ في محاولة تقليص الموازنة، عبر اختيار ممثلي الصف الثاني والثالث (عمرو رمزي، ورامي غيط، وراندا البحيري، وميرهان حسين) في أدوار البطولة، والتنفيذ الهزلي لبعض المشاهد، والضعف الواضح للمخرج أبرام نشأت، وعدم امتلاكه قدرات تساعده على تقديم عمل متقن، وتخليص السيناريو الذي كتبه الشيباني من مشاكله الكثيرة، والارتباك الذي ساد الفيلم، وأضفى غموضاً غير محبب على التجربة بأكملها!