في رحلة الحياة تمر علينا أماكن يصعب نسيانها أو تجاوزها، وكثيرا ما تلح على الخاطر، ففي ذكراها متعة وشجون، وكم هو مؤلم أن ترى بعض تلك الأماكن وهي تتعرض للأذى من عقول عشش فيها الجهل، وأصابها عمى التفريق بين الخير والشر، وبين التعمير والتدمير، فبعد أن امتدت تلك الأيدي الآثمة إلى العديد من الدول الخليجية والعربية والإسلامية، بل امتدت الى دول العالم بأسره نراها الآن تمتد إلى أرض الكنانة مصر.

كم هو مؤلم منظر الأطفال والنساء والرجال والشباب وقد انهاروا وفاضت أعينهم وقلوبهم ألماً وحزناً على أحبابهم الذين اختطفهم ذلك الجهل الأعمى بلا هدف ولا مغزى، بلا وازع من أخلاق أو دين، فـ"بأي ذنب قتلت"، تلك الطفلة وأولئك الأبرياء؟ هل قتلتهم إرضاء لرب رحمن رحيم أم إرضاء لشيطان رجيم وسوس في داخلك؟ حفظ الله مصر من شر الحاسدين والحاقدين.

Ad

وأنا أشاهد شوارع القاهرة عادت بي الذاكرة لتلك الأيام الخوالي التي قضيتها في مصر المحروسة، وخصوصاً تلك اللحظات، وأنا أقف في سفح الهرم الأكبر، سألني المرشد المرافق لي: هل ترغب في صعود الهرم؟ فراقت لي الفكرة وبدأنا بالصعود، ولكن ما كدت أتخطى بعض الأدراج الضخمة من الحجارة التي يحتار العقل في كيف تم تقطيعها في ذلك التاريخ المتقدم حتى شعرت بالخوف من الاستمرار، فعدت أدراجي، وما كدت أصل حتى سألني إن كنت أرغب في الدخول إلى داخل الهرم بدل صعوده، وبالطبع لم أتردد.

وبدأنا رحلة مذهلة تتطلب منك السير بشكل الانحناء نظرا لضيق الممر، وبعد جهد وصلنا إلى تلك الغرفة التي سجي في وسطها مومياء "فرعون" داخل تابوت، كانت الغرفة تثير الخوف والرهبة والتساؤل عن مدى ما وصلت إليه تلك الحضارة الضاربة في عمق التاريخ على مدى آلاف السنين، يا لها من مغامرة ما زلت أذكرها بكل تفاصيلها!

من ناحية أخرى ما أروع أن ترتبط ذكرى مكان برفقة طيبة!! ففي أثناء عملي برئاسة البعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق سعدت بمرافقة المغفور له بإذن الله السيد جاسم محمد الخرافي "بو عبدالمحسن" عندما كان يرأس الوفد البرلماني الكويتي الذي شارك في اجتماع رؤساء مجالس الشورى والبرلمانات العربية الذي عقد في مدينة العقبة الأردنية، وبعد الجلسة الختامية أبدى "بوعبدالمحسن" رغبته في الجلوس في مطعم شعبي بعيداً عن الرسميات، وعليه فقد ذهبنا إلى مطعم صغير يقع في أحد الشوارع الجانبية، يدعى "بيتزا على الفحم".

وقد وضعت الكراسي والطاولات المتواضعة على الرصيف، كان الحديث رائعا فيه الكثير من الصراحة، قلت مداعبا "بو عبدالمحسن": ألا تعتقد أن اختطاف رئيس مجلس الأمة بحجم السيد جاسم الخرافي وسفير دولة الكويت والملحق الأمني بالسفارة مرزوق المطوع في أحد المطاعم الشعبية في مدينة العقبة، صيدة دسمة ومربحة؟"، وقبل أن أتم كلامي قاطعني، رحمه الله، بقوله: "اذكر ربك... اذكر ربك".

والواقع أني وعلى مدى السنين التي سعدت بالتعرف فيها على "بو عبدالمحسن" لم أره بمثل تلك النفسية الرائعة، فلم أفاجأ بإبداء رغبته في تمديد زيارته الخاصة لمدينة العقبة لمدة يومين، كانت أوقاتاً رائعة تجولنا في تلك المدينة الرائعة حتى وصلنا إلى مركز الحدود الإسرائيلي في مدينة "إيلات"، فقال رحمه الله: "خل نرجع بسرعة قبل لحد من المعارضة يصورنا مع العلم الإسرائيلي".

رحمك الله "بو عبدالمحسن" وأسكنك فسيح جنانه، وأثابك عن الكويت وأهلها خير الثواب، فقد سجل لك تاريخ الوطن في أنصع صفحاته موقف رجل دولة في فترة غير عادية بحكمة وهدوء.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.