سلّطت دراسة قادها غراهام أليسون من جامعة هارفارد وحظيت بنقاش واسع الضوء على المخاطر المحدقة التي تظهر عندما تتحدى قوة صاعدة القوة المهيمنة، كما حدث عندما تحدت أثينا إسبرطة في اليونان القديمة. يزداد إحساس القوة الصاعدة بتنوّرها وأهميتها، إحساس تغذيه غالباً أحقاد ومسائل عابرة من الماضي. يجعل هذا القوة المهيمنة تفقد شعورها بالأمان، فتصبح أكثر تصميماً على الدفاع عن الوضع القائم. كتب أليسون: "عندما تهدد القوة الصاعدة بالإطاحة بالقوة المهيمنة، تؤدي الأزمات العادية التي يمكن احتواؤها في ظروف مختلفة، مثل اغتيال الأرشيدوق عام 1914، إلى سلسلة من ردود الفعل تقود بدورها إلى نتائج ما كان أي من الطرفين ليختارها في وضع مغاير". هذا ما يُدعى فخ ثوسيديديس نسبةً إلى المؤرخ الأثيني الذي أشار إليه للمرة الأولى. استخلصت دراسة هارفارد أن النتيجة كانت الحرب في 12 من 16 حالة تاريخية درستها خلال السنوات الخمسمئة الماضية.تُسبب التجارة ومشاكل ولوج السوق الصينية الواسعة استياء مبرراً في الغرب، فقبل عقدَين من الزمن كانت الشركات الأجنبية تهلل لتحوّل الصين إلى جزء من الاقتصاد العالمي (انضمت أخيراً إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001). لكن هذه الشركات الأجنبية تعرضت لخيبة أمل في الصين اليوم.
صحيح أن التعرفات على استيراد الصين السلع منخفضة، ولكن في اقتصاد تسيطر عليه شركات الدولة العملاقة، يُستبعد الأجانب من قطاعات كثيرة، منها التوريد الحكومي. وفي الصناعات التي تعتبرها الحكومة الصينية حساسة، تشكّل القواعد المكتوبة وغير المكتوبة عوائق. بالإضافة إلى ذلك ثمة مجالات أخرى، مثل الحوسبة السحابية، تخشى الشركات الغربية دخولها لأنها تقلق بشأن أمان البيانات أو التكنولوجيا التي تملكها.تشكّل كوريا الشمالية تحدياً أكبر، ويبدو أن وتيرة تطويرها الصواريخ والأسلحة النووية تتسارع، إذ أطلق نظام كيم يونغ أون السنة الماضية صاروخاً من غواصة، وتُعتبر هذه سابقة، وفي مطلع شهر مارس أجرى أيضاً اختباراً على مجموعة من الصواريخ قيد الإعداد صرّحت كوريا الشمالية أنها تجهّزها لاستهداف القواعد الأميركية في اليابان، وفي وقت لاحق من الشهر عينه، نفّذت في سابقة أخرى اختباراً شاملاً لصاروخ في المرحلة الأولى تأمل تطويره إلى صاروخ بالستي عابر للقارات، ويُعتقد أنها تحضّر لستة اختبارات نووية.على غرار الولايات المتحدة تريد الصين أن تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، وفي الأمم المتحدة أيدت نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة ضد هذه الدولة، لكن الصين تملك تاريخاً معقداً مع جارتها الصغيرة العدائية، فما زال هذان البلدان حليفين رسمياً، إلا أن الصين غاضبة جداً بسبب مشاكسات كوريا الشمالية، ورغم ذلك تعرب الصين عن عجز مذهل عن رؤية المسائل من منظار أي شخص آخر. لا شك أن تشاطر المخاوف بشأن كوريا الشمالية والعمل معاً للتوصل إلى خطة طوارئ يشكّلان مقاربة أفضل، لكن هذه الخطوة تتطلب الحكمة والصبر، وينطبق الأمر عينه على العلاقة الأشمل بين الصين والولايات المتحدة، التي تستلزم، وفق هنري كيسنجر، "توازناً دقيقاً في ضبط النفس، والقوة، والشرعية". لكن توازن القوة، الذي يُعرَّف أولاً بمصطلحات عسكرية، "يقود تدريجياً إلى المواجهة"، حسبما يشدد. أما إذا رغبنا في تفادي فخ ثوسيديديس، فمن الضروري الانطلاق في بحث عن شراكة. يُعتبر لقاء ترامب وتشي جينبينغ في مارالاغو في مطلع أبريل بداية، إلا أنه لن يفضي إلى أي نتيجة ما لم يصبح التعاون جوهر العلاقات بين البلدين.
مقالات
كيف تتفادى الولايات المتحدة والصين الصدام؟
02-05-2017