تخلى المرشح الليبرالي الوسطي إيمانويل ماكرون، أمس، عن استراتيجيته التي سمحت لمنافسته بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مرشحة «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة مارين لوبن، بمهاجمته منذ انتهاء الجولة الأولى، وضرب على وتر اتهام الجبهة بالعنصرية تجاه الأجانب وإرثها المعادي للسامية.

وأحيا ماكرون المرشح الأوفر حظا، أمس، ذكرى شاب مغربي مات غرقا في نهر السين قبل 22 عاما، بعد أن ألقى به مجموعة من الشبان المتطرفين في مياه النهر، بعد مهرجان نظمته «الجبهة الوطنية» بمناسبة عيد العمال.

Ad

ووقف المرشح الشاب (39 عاما) دقيقة صمت عند ضفة النهر في الذكرى السنوية للحادث، في خطوة تهدف بوضوح إلى دمغ «الجبهة الوطنية» بالتطرف، قبل أسبوع من الجولة الثانية التي يواجه فيها لوبن.

وقال ماكرون، وإلى جانبه سعيد ابن الضحية المغربي إبراهيم بو عرام: «علينا ألا ننسى أبدا ما حدث».

وكرر هجومه على تصريحات أطلقتها لوبن، أبريل الماضي، قالت فيها إن الدولة الفرنسية ليست مسؤولة عن الاعتقال الجماعي لليهود في باريس، خلال الحرب العالمية الثانية.

وتابع: «لن أنسى مطلقا. وسأحارب حتى اللحظة الأخيرة، ليس فقط ضد برنامجها، بل ضد فكرتها عما يمثل الديمقراطية والجمهورية الفرنسية».

وصدر حكم على واحد من المجموعة التي ألقت بالمهاجر المغربي، وهو أب لطفلين، في النهر، بالسجن ثماني سنوات، وعلى ثلاثة آخرين بخمس سنوات، في الحادث الذي وقع إبان رئاسة جان ماري لوبن والد مارين للحزب؟

تلويح بـ«فريكست»

من جانب آخر، سعى ماكرون إلى مواجهة اعتماد لوبن على تزايد الشعور المناهض للاتحاد الأوروبي لدى الفرنسيين، وقال في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية إنه يتعين على الاتحاد الإصلاح أو مواجهة احتمال خروج فرنسا من الاتحاد «فريكست».

واعتبر أنه لو سمح للاتحاد بمواصلة العمل بنفس الشكل الحالي فإن ذلك سيكون «خيانة»، غير أن مؤسس حركة «إلى الأمام» التي أنشئت، أخيرا، أضاف قائلا: «أنا مؤيد للاتحاد الأوروبي، ودافعت باستمرار خلال الانتخابات عن الفكرة الأوروبية والسياسات الأوروبية لأنني أعتقد أنها مهمة للغاية للشعب الفرنسي ومكان بلدنا في العولمة».

وأضاف: «لكن في الوقت نفسه يتعين علينا أن نواجه الوضع القائم، وأن نستمع إلى شعبنا، ونستمع إلى حقيقة أنه غاضب للغاية اليوم وغير صبور، وأن الاختلال الوظيفي في الاتحاد لم يعد قابلا للاستمرار».

وتابع: «لذلك، سوف آخذ بعين الاعتبار خلال ولايتي، وفي اليوم التالي، إجراء إصلاح عميق للاتحاد ومشروعنا الأوروبي»، محذرا من أن عدم الإصلاح سيؤدي إلى خروج فرنسا من التكتل أو صعود «الجبهة الوطنية» لسدة الحكم.

وفي وقت سابق، ندد ماكرون بمنافسته وقال: «الشعب، هي تستغله، وهو نهج الحركات المتطرفة، ونهج الغوغائيين الحقيقيين. الشعب لا يهمها إطلاقا في الحقيقة».

وجاء هجوم ماكرون في وقت يسجل تقلص في الفارق بين المرشحين مع 59 في المئة من نوايا الأصوات لمرشح الوسط المؤيد لأوروبا مقابل 41 في المئة للوبن التي وعدت بإجراء استفتاء حول عضوية فرنسا للاتحاد.

وجاء تحذير ماكرون في وقت أفادت تقارير بأن الوحدة التي أبدتها نقابات العمال الفرنسية ضد مؤسس «الجبهة الوطنية» جان ماري لوبن بعد تأهله إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002 والتي تسبب في خسارته أمام جاك شيراك، تفككت ولم تعد موجودة في 2017 مع تكرار المشهد بين ماكرون ومارين لوبن.

فبعد 15 عاما على صدمة وصول الرئيس السابق لـ»الجبهة الوطنية» إلى عتبة قصر الإليزيه، تنقسم النقابات حول تعليمات التصويت وشعار التعبئة التقليدية بمناسبة عيد العمل.

فهناك من جهة «الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل» و»الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة» اللذان دعيا إلى التصويت للمرشح الوسطي في الدورة الثانية. ونظمت النقابتان تجمعا مع «اتحاد الجمعيات العامة الطلابية» في شمال شرق باريس أمس من أجل «رفض الرؤية الرجعية والانطوائية للجبهة الوطنية».

في المقابل، هناك «الكونفدرالية العامة للعمل» و»الفدرالية النقابية الموحدة» واتحاد «متضامنون» و»القوة العاملة»، وهما 4 تنظيمات نقابية أكثر ميلا إلى اليسار، وقد دعت الثلاثة الأولى إلى «تشكيل سد» بوجه لوبن، بدون الدعوة صراحة إلى التصويت لمرشح حركة «إلى الأمام!»، فيما امتنعت «القوة العاملة» عن إعطاء تعليمات.

وإن كانت التشكيلات الأربعة تقف ضد «التراجع الاجتماعي الذي يوجد تربة خصبة لليمين المتطرف»، إلا أنها قد تشهد تحركات من داخلها تتخطاها هي نفسها.

فقد دعت بعض فروع «الكونفدرالية العامة للعمل» و»الفدرالية النقابية الموحدة» واتحاد «متضامنون» إلى «هزم كلا المرشحين» في 7 مايو.

كما تجري تظاهرات أخرى خارج الإطار النقابي، منها تحرك شبان يدعون إلى التظاهر ضد لوبن وماكرون و»مسيرة سوداء» ضد اليمين المتطرف.

لوبن وميلونشون

في المقابل، ردت لوبن، أمس، معتبرة أن النقابات «لا تدافع عن مصالح الموظفين» بل عن «موقعها هي».

وتابعت المرشحة التي تعتزم إلغاء قانون في الحكومة الاشتراكية يزيل ضوابط في قانون العمل، ما أثار احتجاجات في الشارع على مدى أشهر: «إن رؤية الكونفدرالية العامة للعمل تدعو إلى التصويت لصالح ماكرون الذي سيضعف وضع مجمل العمال، والذي يعتزم إزالة الضوابط بالكامل عن قانون العمل، هو أمر مذهل».

وعقدت مرشحة «الجبهة الوطنية»، أمس، تجمعا في فيلبانت بضاحية باريس للتعبئة قبل يومين من مناظرة تلفزيونية حاسمة مع ماكرون بعد غد الخميس.

وجاء التجمع في وقت تركز لوبن بمبادرات في اتجاه 19.6 في المئة من الناخبين الذين صوتوا لمرشح «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلونشون، إلا أن ممثل اليسار الراديكالي أعلن بوضوح، أمس الأول، معارضته لها لأنها «انفجار معمم»، من غير أن يدعو إلى التصويت لماكرون.

وحصلت لوبن على دعم في المناطق الريفية والمناطق الصناعية السابقة، من خلال وعدها باستعادة السيطرة على حدود فرنسا من الاتحاد وتقليل الهجرة.

مسلحو مالي

في سياق منفصل، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية مقتل 20 مسلحا في غارات استهدفت غابة بمالي بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو مطلع الأسبوع.

وذكرت الوزارة أن القوات ضبطت «كميات كبيرة» من الأسلحة والذخائر ومنصات إطلاق الصواريخ والمتفجرات. وقام خبراء إزالة الألغام بإبطال المتفجرات.

وتنشر فرنسا نحو أربعة آلاف جندي في منطقة الساحل لمكافحة الإرهاب.

لوبن الأب لماكرون: زيارة القبور نحس

سخر جان ماري لوبن (89 عاماً)، مؤسس حزب «الجبهة الوطنية» اليميني في فرنسا وزعيمه السابق، أمس، من المرشح الأوفر حظاً للرئاسة إيمانويل ماكرون، بقوله إن «السيد ماكرون يقوم بجولة بين القبور قد تكون نذير شؤم له».

وكان لوبن يشير بكلمته التي ألقاها بعد وضع إكليل من الزهور عند تمثال «جان دارك» في باريس، الى إحياء ماكرون أمس ذكرى شاب مغربي قتله مناصرون لـ «الجبهة الوطنية» في عام 1995، ووضعه وردا على قبره. وكان ماكرون زار أمس الأول أيضا نصب ضحايا اليهود المرحلين الى الهولوكوست. ودافع لوبن الأب عن النزعة القومية قائلا إن «القومية هي محبة الأمة. القومية هي ما نمثله». وهتف عشرات من المناصرين الذين احاطوا به:» فرنسا للفرنسيين»، و»لا شريعة ولا برقع»، و»ليخرح الإسلام من أوروبا».

وكان حزب ماكرون «الى الامام» انتقد لوبن الأب قبل أيام بسبب تصريحات رفض فيها اشراك «زوج» شرطي قتل في هجوم «داعشي» بمراسم رسمية لتأبينه، قائلا ان ذلك يشجع لزواج المثليين.