لنكف عن بيع الوهم
انهالت الانتقادات، وبعضها كان شتائم، على وزير المالية أنس الصالح من وسائل التواصل الاجتماعي، حين عرض غلاف مجلة "أربيان بيزنس" صورة للوزير، وتحتها عبارات مقتضبة، يظهر فيها الوزير قلقه على احتياطي وديمومة الدولة، إلا أن نشر اللقاء الصحافي للوزير بعد ذلك أظهر أن النقد القاسي لم يكن في مكانه، وظلم الوزير به، فهو لم يكن قلقاً، وإن لم يظهر التفاؤل أيضاً، وأكد ثقته بالاحتياطات المالية للدولة، رغم هبوط سعر النفط، وأكد ضرورة التعامل مع تحديين، القصير المدى وهو سد العجز، والطويل وهو تنويع الاقتصاد.المتشائم ابن الواقع والتجارب التاريخية للإدارة السياسية، يتمنى لو أن غلاف المجلة بمانشيته المثير المقلق أبقي على حاله دون نشر اللقاء بعد ذلك، أو قد يتمنى هذا المتشائم أن يحشر أحد تقارير الشال أو فقرة من مقالات سابقة لكاتب هذه الزاوية تؤكد أن طريقنا لفنزويلا واضح، ونحن نجري على دربه مسرعين، بدلاً من نشر اللقاء الذي أظهر فيه الوزير أنس حنكته السياسية على حساب رداءة الواقع الاقتصادي، فالقلق، كما نكرر في مرات ومرات، مطلوب الآن بدلاً من ترويج أوهام الأمل والتفاؤل بالقادم، طريق فنزويلا، رغم الظلم لهذه الدولة اللاتينية هو الذي يبدو لنا وليس دروب كوريا الجنوبية أو سنغافورة.
مهما فعل الوزير أنس، ومهما تحدث مطولاً عن المؤسسات الديمقراطية الراسخة (لم يتم حلها حتى الآن) بالدولة وحكم القانون (ننسى حكم الواسطة والمحسوبيات بكل صغيرة وكبيرة ومسائل السيادة المختلقة التي تتمدد حتى لهوية الأفراد)، ومهما أسهب الوزير بالحديث عن آماله بالمؤسسات الخاصة القادمة لتخفف من العبء الثقيل عن القطاع العام، يظل الواقع أقوى من آمال الوزير، فالإدارة السياسية تتقدم خطوة للأمام وتتراجع عشر خطوات في قضايا جزئية كالتقليل من دعم البنزين أو رفع الكهرباء وغيرها.يبقى هناك أكثر من بعبع يقفون بالطريق، فالباب الأول من الميزانية "الرواتب والأجور" سينمو ويكبر ولا يوجد حل مهما كبرت الأحلام عن وهم القطاع الخاص أو المشترك، فلا يوجد لدينا قطاع خاص حقيقي بداية، عندنا قطاع وكالات تجارية تتبع عدداً محدوداً من الأفراد النافذين، تعيش على نمط الاستهلاك وإنفاق الدولة، وعندنا بعبع الفساد الذي يكتنف الدولة من ألفها إلى يائها، وإذا تحدث أحد عنه "صهينت" السلطة وكأنها أطرش بالزفة، أو في أحسن حال تردد عبارة "هاتوا الدليل" على فساد فلان وعلان! وعندنا صفقات أسلحة تقارب عجز الميزانية ممنوع التحدث عنها... وهناك بالنهاية، وهذه هي الطامة الكبرى، بعبع الريع المخيف الذي جعل ما يقارب من مليون مواطن يعتمدون تماماً على عمل وإنتاج أكثر من مليوني وافد، وهؤلاء يبيعون قوة عملهم ويدفعون إتاوات نظام الكفالة.لا يمكن لأنس أو غير أنس أن يرتقوا ثوب الدولة المقطع، ولا توجد حلول للمستقبل القريب والبعيد، "غير كم مليون" تضعها في حساب بالخارج إذا كنت من الأقلية المحظوظة، وهذا لا تملكه الأغلبية المحكومة، التي عليها الآن أن تعمل وتنفض كل غبار سنين اللامبالاة وعدم الاكتراث بالشأن العام، ولا تنتظر أي مبادرات من الحكومة، فالقلق من ديمومة حال "سيفوه" هو ما يجب أن يسود على الوعي الخائب، فكفوا عن بيع الأوهام.