الترشيد والخصخصة
أصبح الترشيد جزءا لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة هذا العام، وابتدأ بترشيد استهلاك الكهرباء، بعدها تحول النهج إلى الترشيد بالتوظيف فاستبشرنا خيراً معتقدين أن تجديد البنى الإلكترونية وتطبيق التكنولوجيا مدخلٌ لتدريب الطاقة البشرية المحلية، ولكن ما حدث كان عكس ذلك.
هل هناك خريطة طريق للتعامل مع الفكر التنموي والخطط الاستراتيجية التي تأتينا من الأجهزة الاستشارية المتعددة في الدولة؟ وهل هناك سياسة فاعلة لتطوير أجهزة الدولة؟ باعتقادي أن التطوير صعب دون استحداث آلية لحصر الكفاءات، وعلى الأخص تلك التي تمتلك القدرة على تحويل الأفكار والخطط إلى استراتيجية قابلة للتنفيذ، والمساهمة في مساعدة أجهزتنا الاستشارية في الانتقال من مرحلة التصريحات إلى مرحلة التنفيذ.لنأخذ، على سبيل المثال، نهج الترشيد الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من السياسة العامة لهذا العام، وابتدأ بترشيد استهلاك الكهرباء دون إرشاد المواطن بالبديل الأمثل للاستهلاك الذكي، أي الترويج للأجهزة التي تحمي المواطن من الاستهلاك المفرط كالإضاءة وأجهزة التكييف، إنما اكتفت بالإعلانات التقليدية. بعدها تحول النهج إلى الترشيد بالتوظيف، فاستبشرنا خيراً معتقدين أن تجديد البنى الإلكترونية وتطبيق التكنولوجيا مدخلٌ لتدريب الطاقة البشرية المحلية وتأهيلها للمناصب التنفيذية، ولكن ما حدث كان عكس ذلك، وهنا أتحدث عن واقع عملي، فقد فتحت الأبواب بشكل غير مسبوق للعمالة الهامشية في المكاتب الإدارية التي أعادت الروتين، وحرصت على تعطيل تطبيق الميكنة حتى يتم الاستعانة بها.
أما نهج "الخصخصة" فقد تعاملت معه الدولة بتردد حتى تضاعفت تكلفته في المؤسسات الخدمية كالصحة والتعليم والخدمات الأخرى التي تقدمها الدولة، والتي أصبحت في منتصف الطريق، لا تعرف الاختيار بين الاستمرار بالتكلفة العالية وبمستوى متواضع من الخدمات، أم تنتقل تدريجيا إلى الشراكة مع القطاع الخاص، لتخفيف الأعباء على الدولة ورفع القيمة الحقيقية للخدمة مقابل رسوم "بسيطة" يدفعها المواطن، ولم يحسم الأمر حتى يومنا هذا. وما زال التخوف مهيمنا ويحمل اسم "جيب المواطن"، غير عابئين بأن هذا الجيب وطبقا لإحصاءات نشرت حديثا قد أصبح منهكاً بمصاريف التعليم الخاص والعلاج بالمستشفيات الخاصة، فهل وصلت الرسالة؟ كلمة أخيرة: لا يمكن أن تتم عملية تعديل المناهج دون تدريب المدرس على التخلي عن التلقين، والتمسك بإدارة الحوار والنقاش والتحفيز على الفكر النقدي السليم.