النفوق باللغة يعني الموت للدواب والحيوانات. وفي المقابل، عندما يقال نفقت المرأة فيقصد بذلك أنه قد كثر خطابها، كذلك ينطبق المعنى على التجارة، حيث يعني ذلك رواجها وانتعاشها.

أما ما يدور هذه الأيام في البلاد فهو حديث مكرر حول نفوق الأسماك، أي موتها، وطفوها على الساحل، وكأنها مسمومة، والتي بدأت مأساة وكارثة كبرى سنة ١٩٩٩. ولأن بلادنا تحتضن بحنان زائد جون الكويت، فالمشكلة مركبة. ومع أن كارثة نفوق الأسماك صارت مكررة، لكنه لا يبدو أن هناك جدية في التعامل معها، حيث نسمع ذات الردود.

Ad

بين يدي عدد من الدراسات والتوصيات مدفوعة بتحركات يقوم بها ناشطون ومتخصصون في مجال البيئة للتعامل بفعالية مع هذه الظاهرة، وهي توصيات قابلة للتنفيذ ونتائجها مضمونة، لكن التنفيذ يأتي أو لا يأتي، كعادة الأشياء. مجمل تلك التوصيات تركز على التقليل من حالة التلوث المتعددة المصادر التي يعانيها الجون.

حكاية نفوق الأسماك والجرائم البيئية المكررة هي ذات المشكلة في مجالات أخرى، مما يدل على أنها نمط سائد في التفكير الرسمي، ومنهج متأصل. فهل نفوق الأسماك وعدم التصدي لها بصورة صحيحة وكفؤة، حالة فريدة أم أنها نسخة طبق الأصل لمشاكل عديدة في البلاد؟ والسياق معروف. تبدأ مشكلة ما ويتداعى الناس من كل حدب وصوب، ويتعالى صوت السياسيين وأعضاء البرلمان، وتبدو المشكلة من شدة الصياح أنها في طريقها لحل ما، ثم فجأة تتبخر القضية حالما تهدأ الضجة السياسية، والتي قد يكون من ضمنها تهديد باستجواب، بل ربما يحدث استجواب فعلاً، وربما يؤدي إلى الإطاحة بوزير أو مسؤول ذي علاقة. حالما تنتهي حفلة الزار تلك، سواء كان في موضوع البدون أو الرياضة أو الصحة أو التعليم أو الجامعة أو الخطوط الكويتية أو الجنسية أو الوافدين وغيرها كثير، يبدأ المعنيون بالضجيج السياسي البحث عن مشكلة أخرى. وربما ينجحون في الطريق في إصدار قانون يتبجحون به، وعادة لا يتم تطبيقه ولا تنفيذه.

يزعمون حلاً ويقولون بنتائج وما أكثر ما يزعمون وما أكثر ما يقولون، فما مزاعمهم ولا أقوالهم إلا كشموع سرعان ما تبددها شمس صيفنا الحارقة.

ظاهرة نفوق الأسماك مشكلة خطيرة، لا ريب في ذلك، لكن الأخطر منها والأدهى والأنكى والأمر هو المنهجية ونمط إدارة الدولة، الذي إن ظل على هذه الحالة فقد يقودنا إلى نفوق الوطن.