ما مرَّت به حركة حماس، قبل أن تتخذ قرارها الأخير الذي من المفترض أنه وضعها على رصيف جديد، مرت به حركة فتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية أيضاً، ولعل ما لا يعرفه كثيرون أن حركة فتح، التي هي بداية الرصاص، وبداية وضع قرار الفلسطينيين في أيديهم، لم تعترف بإسرائيل حتى الآن، ولا تزال مع تحرير فلسطين كلها، ومن النهر إلى البحر كما يقال، وأنها تركت هذا الأمر لمنظمة التحرير التي هي، إذا أردنا قول الحقيقة، أصبحت ليست بدءاً بقمة الرباط العربية عام 1974، وإنما قبل ذلك بكثير، الإطار السياسي الذي ينفذ توجهات هذه الحركة التي بقي يقودها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) ولسنوات طويلة.

كان أبوعمار، رحمه الله، يريد انضمام حركة حماس لمنظمة التحرير قبل المجلس الوطني الفلسطيني، الذي عقد في الجزائر عام 1988، وبحضور كل فصائل المقاومة الأخرى، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية، التي اعترفت بقرار مجلس الأمن رقم 242، وأعلن قيام الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967، لكن كل محاولاته السابقة واللاحقة لم تحقق أي نجاح، وبقيت حركة المقاومة الإسلامية، التي كانت مرتبطة، وربما لا تزال، بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، تعتبر هذه "المنظمة"، التي اعترف بها العرب في قمة الرباط عام 1974، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، منظمة "استسلامية" انحرفت بعيداً عن مقررات مؤتمر القدس الذي عقد عام 1964.

Ad

وكان أبوعمار عرض على خالد مشعل، في لقاء في بيت "الإخواني" السوري عدنان سعد الدين في عمان، "حصة" مجزية تقترب من حصة "فتح" في المجلس الوطني الفلسطيني، لكنه رفض ذلك العرض، وعلى غرار ما بقيت تفعله حركة حماس منذ عام 1987... وقبل ذلك في كل اللقاءات التي تنقلت بين العواصم العربية وغير العربية، بينها وبين حركة فتح، وبينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية.

وها هي، أي "حماس"، تبادر في وثيقتها الأخيرة إلى تبني كل ما بقيت ترفضه على مدى ثلاثين عاماً وأكثر، وأهمه القبول بقيام الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود ما قبل الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967، مع بعض الرتوش و"التزويقات" الكلامية الجميلة التي لا تزال تتمسك بها حركة فتح كحركة، وبعيداً عن منظمة التحرير بمواقفها وسياساتها وتوجهاتها... وهنا فإن السؤال الذي تردد بين الفلسطينيين بل وفي كل مكان هو ما أسباب هذه الصحوة "الحمساوية" غير المفاجئة، والتي جرى التمهيد لها طويلاً...؟ هل لأن هناك يا ترى وعوداً عربية ودولية قد تلقتها بأن ترث الحالة الفلسطينية كلها، وأن تأخذ وضعية ومكانة "فتح" في هذه الحالة...؟!

هناك معلومات عن تحركات يشارك فيها بعض العرب، وتشارك فيها دول إسلامية معنية لحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير حل اتفاقيات أوسلو التي أنجبت هذه السلطة الوطنية التي "عاشت" كما يرى البعض أكثر من اللزوم... وهنا فإن الخوف كل الخوف أن يقتصر هذا الحل المطروح على دويلة فلسطينية مهيضة الجناح في غزة، مع بعض التعديلات الحدودية، ووفقاً لما كان عرضه الإسرائيليون مراراً وتكراراً، وكبديل للدولة التي تتمسك بها منظمة التحرير، أي في الضفة الغربية، ومعها "القطاع"، وعلى حدود ما قبل الخامس من يونيو (حزيران) وعاصمتها "القدس الشرقية"!