نأتي للحب حاملين قائمة طويلة من الأماني والأحلام، ونشعر بالخذلان إن عجز عن توفير أي من أمانينا، أو تأخر في تحقيق حلم من أحلامنا. نريد من الحب أن يهيئ لقلوبنا مسكن العمر الذي طالما رسمته قلوبنا، التي وعدناها بتأمينه لها في أقرب علاقة عاطفية، ونريد من الحب أن يكسونا حلته السحرية، لنختال بها في أيامنا العادية بمشاعر تشبه أيام الأعياد. نريد من الحب أن يسقينا ماءه المقدس، ليصبح إحساسنا بالارتواء خالداً، وأن يطعمنا من خبزه المصنوع من قمح جنته، ليزول إلى الأبد إحساسنا بالجوع العاطفي، وأن يمنحنا السكينة والطمأنينة والأمان. نريد منه أيضاً أن يخصنا بالرعاية والاهتمام بحرص أب، وأن يغمرنا بالحنان بقلب أُمّ، وأن يخترع الوسائل لإسعادنا، ويبتكر الطرق لإرضائنا، وأن يكون درعنا الواقية ضد كل ما يسبب شقاءنا، وأن يخبئ الشموس في جيبه ويدسها تحت وسائدنا خلال نومنا ليلاً لنفاجأ بها توقظ خدرنا في كل صباح وتصب في مسامعنا أناشيد الحياة والرضا، وأن يسرع قبل المغيب، ليزين القمر ويلمع النجوم، حتى تصبح قناديل عرس في المساء، لتبتهج أعيننا وتُسرّ أنظارنا عند السهر حين نناجي أحبابنا!
نأتي للحب في أيدينا فاتورة باهظة الثمن نظنها مستحقة عليه واجبة الدفع، أو كأنما هي ورقة يانصيب ربحناها تضع مصداقية الحب وأمانته على المحك!وغالباً ما يكون الحب عاجزاً عن تسديد هذه الفاتورة المهولة، وهو قطعاً لن يكون قادرا على الوفاء بهذه القائمة الطويلة من الالتزامات التي حسبناها مستحقة عليه لسببين؛ الأول هو أن هذه الالتزامات حمّلناها زوراً على الحب كدين واجب الدفع بدون وجه حق، السبب الآخر والأهم هو أن الحب في الحقيقة أضعف مما نظن، فهو أضعف من أن يمنحنا ما نعتقد أنه يملكه، لأنه في الحقيقة لا يملكه، فالحب مجرد طفل يتيم بلا أبوين، ضائع بلا مأوى، خائف، جائع، إنه ربيب الأرصفة التي علّمته النزق، وأساء العابرون معاملته، وكثير من القلوب التي آوته لبعض الوقت قست عليه واستغلت طفولته بأبشع الصور التي وصلت حد الاضطهاد في بعض الأحيان.يلجأ الحب إلى شخصين عادة ليتبنياه ويكونا له أبوين، ويمنحاه مسكناً آمنا في قلبيهما، ويرعياه ويحسنا معاملته. في الحقيقة، إن قائمة الطلبات التي نأتي بها للحب لتلبيتها لنا، هي ذات الاحتياجات التي تدفع الحب للجوء إلى قلب تلو الآخر، بحثاً عنها. إن الحقيقة الغائبة عنا، هي أن الحب طفل بحاجة لأن نطعمه ونسقيه ونوفر له الأمان والطمأنينة والرعاية والحنوّ، وأن نحسن تربيته. إنه بحاجة لهذا أكثر منّا، عندما نمنح الحب حاجته، سيعود طفلا هانئا يملأ حياتنا بهجة وقلوبنا مرحاً ورضا، وسيصبح حينها شغبه إلينا محبّبا!قائمة الأمنيات التي نريدها من الحب هي قلب للأدوار، إذ تجعل من الدائن مدينا والمدين دائنا، تلك القائمة لا تعبّر سوى عن أنانيتنا المفرطة وقسوتنا على مجرد طفل ضعيف خائف واستغلالاً له!
توابل - ثقافات
الحب أضعف مما نظن!
04-05-2017