الرئيس الأميركي دونالد ترامب... مئة يوم من الفوضى!

نشر في 04-05-2017
آخر تحديث 04-05-2017 | 00:03
يبتعد الرئيس الأميركي ترامب بشكل متزايد عن أسس الديمقراطية بعد إمعانه في مهاجمة القضاة والصحافيين والنقاد. هل سيكون الدستور الأميركي قوياً بما يكفي كي يقاوم ذلك الهجوم؟ وبعد مرور مئة يوم على بدء عهد ترامب الرئاسي، كيف تبدو الولايات المتحدة؟ تقرير مشوق من «شبيغل»
يحمل الرجل الذي أغضب الرئيس الأميركي أخيراً اسماً تقليدياً: إنه وليام هورسلي أوريك (63 عاماً) الذي يشبه أي عامل مدني كلاسيكي. أوريك قاضي محكمة سان فرانسيسكو، وهو منع دونالد ترامب من معاقبة المدن التي تقدّم تدابير حماية خاصة للمهاجرين، كتصعيب معاملات ترحيلهم.

أمر ترامب بحرمان تلك المدن التي تُعتبر «ملاذاً آمناً» للمهاجرين من التمويل الاتحادي. لكن كان حكم أوريك كفيلاً بتعليق قراره مؤقتاً. شكّلت تلك الواقعة أحدث هزيمة في المحاكم بالنسبة إلى الرئيس غداة تعليق قرار حظر السفر الذي يستهدف مواطنين من بلدان ذات غالبية مسلمة، ولم يمرّ وقت طويل قبل أن يظهر الرئيس علناً للتعبير عن سخطه. كتب في واحدة من تغريداته الغاضبة إن ذلك الحكم «سخيف» مضيفاً: «سنتقابل في المحكمة العليا!».

لم يخفِ ترامب يوماً ازدراءه الشديد بالمؤسسات التي تُعتبر ضرورية لترسيخ ديمقراطية قوية: السلك القضائي المستقل والصحافة النقدية والمعارضة الصحية. سيُسَرّ أصلاً بالتخلص من هذه العناصر كلها أو بتهميشها على الأقل. غداة صدور الحكم من سان فرانسيسكو، عبّر عن استيائه الشديد من القضاة الاتحاديين هناك وهدّد بتقليص صلاحياتهم.

لم يختفِ غضب الرئيس من الأشخاص الذين يعارضونه والمؤسسات التي تقف في طريقه مع مرور الوقت. كلما زادت المقاومة التي يواجهها، يشتدّ ميله إلى القتال وتزيد قناعته بأنه محق. تستلزم الديمقراطية قدرة حقيقية على عقد التسويات، لكن يبدو أن ترامب لا يتمتع بهذه القدرة. لذا يمكن اختصار أول مئة يوم من عهده بنزعته إلى مهاجمة أسس الديمقراطية الأميركية.

نزعة استبدادية

يقول ستيفن ليفيتسكي، أستاذ في الشؤون الحكومية في جامعة هارفارد: «تزداد المؤسسات ضعفاً». حوّل ترامب البيت الأبيض إلى معقل عائلي إقطاعي عبر جعل ابنته إيفانكا وصهره جاريد كوشنر جزءاً من السلطة، كذلك رفض كشف عائداته الضريبية كما يفعل الرؤساء منذ نهاية الستينيات، وتردد في فصل نفسه عن مصالحه المهنية، ما سمح له بالاستفادة من القرارات التي يتخذها في البيت الأبيض.

اتّضحت أولويات الرئيس بكل شفافية في الخطة الضريبية التي طرحها. يتعلق جوهر إصلاح قانون الضرائب بتخفيض معدلات الضرائب المفروضة على الشركات من 35% إلى 15% فقط. كذلك يدعو إلى إلغاء ضريبة الإرث ويريد تخفيض ضريبة الدخل. بسبب هذه التخفيضات كلها، ستتكبد الدولة تريليونَي دولار على مستوى العائدات الضريبية كل سنة، ما يعني أن الميزانية ستتأثر بشدة كي يصبّ إصلاح الضرائب في مصلحة الأثرياء بشكل أساسي، أي الأشخاص الذين يشبهون ترامب وعائلته.

لكن يتعلق أسوأ جانب من الوضع الراهن بإصرار الرئيس على مهاجمة القضاة والصحافيين وخصومه. يهاجم ترامب منتقديه بأعلى درجات الغضب لكنه يبدي في المقابل إعجابه بالحكام الاستبداديين. ضمن هذا السياق، أشاد في مناسبات كثيرة بقيادة بوتين، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أوائل زواره في البيت الأبيض. كذلك سارع إلى تهنئة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غداة فوزه بالاستفتاء الدستوري الأخير الذي يجعل بلده أقرب ما يكون إلى النظام الدكتاتوري.

جنون تام

يهاجم مستشارو ترامب وأعضاء حكومته كل من يجرؤ على الوقوف في طريق الرئيس. في الفترة الأخيرة، انتقد المدعي العام جيف سيشنز قاضياً في هاواي لأنه أعاق قرار ترامب بمنع سفر الناس الآتين من بلدان ذات غالبية مسلمة. ربما يتشجع ترامب وفريقه أيضاً بنتائج الاستطلاع الذي جرى في فبراير وكشف أنّ 51% من مناصري الرئيس يرون ضرورة أن يتمكن من إلغاء الأحكام القضائية التي لا يوافق عليها. هكذا، حين تتفق الحكومة وشعبها على الازدراء بالمؤسسات الديمقراطية، لا مفر من دق ناقوس الخطر.

بعد مرور مئة يوم على بدء عهد ترامب الرئاسي، تبدو الولايات المتحدة اليوم منقسمة أكثر من أي وقت مضى، إذ ازدادت صعوبة تحديد الجبهات المتناحرة واتخذت النقاشات بينها منحىً عدائياً متزايداً، مع أن هذا الاحتمال لم يكن متوقعاً بعد حملة السنة الماضية. كذلك ترسّخت العداوة بين معسكر ترامب والمعسكر المعادي له.

السلطة في قبضته

يبدو الدستور الأميركي مبهماً على نحو مفاجئ في ما يخص حدود الصلاحيات الرئاسية وتتعدّد الوسائل التي بإمكان ترامب استعمالها لاستغلال الوكالات الحكومية ضد المنافسين السياسيين. مثلاً، استعمل عدد من أسلافه «مكتب التحقيقات الفدرالي» و«وكالة الاستخبارات المركزية» و«وكالة الأمن القومي» للتجسس على شخصيات عامة وصحافيين وناشطين ما كانوا يحبونهم. ولم تكن السلطة التنفيذية بريئة يوماً. لذا يملك الرئيس المتمرد الذي يقبع في البيت الأبيض ويسعى إلى الانتقام من خصومه الأدوات كافة التي يحتاج إليها.

يحدّ نظام الضوابط والتوازنات الوارد في الدستور من سلطة الرئيس السياسية التي تشمل الكونغرس والسلك القضائي والولايات. لكن لا يستطيع الدستور أن يحمي الشعب من الرئيس الذي يسعى إلى الانتقام إلا بدرجة محدودة.

يقول توم غينسبيرغ، خبير في القانون الدستوري في جامعة شيكاغو: «نظن غالباً أن نظام الضوابط والتوازنات قد ينقذنا، وأن الدستور غير قابل للتشكيك. لكن كيف سيردّ ترامب عند وقوع هجوم إرهابي أو كارثة طبيعية أو في أوقات الحرب؟ هل سيستغل الفرصة كي يتمسك بالسلطة ويُضعِف المؤسسات الأخرى؟ يتمتع الرئيس بالسلطة التي تسمح له بتحقيق ذلك.

في الماضي، تعاون الديمقراطيون والجمهوريون مع بعضهم بعضاً في مراحل معينة لحماية الرعاية المشتركة والمؤسسات الديمقراطية، حتى لو اضطروا إلى معارضة الرؤساء المنتمين إلى حزبهم. خلال الثلاثينيات، وقف كبار الديمقراطيين ضد جهود فرانكلين روزفلت الرامية إلى زعزعة المحكمة العليا بسبب تشكيك المحكمة بصحة «الاتفاق الجديد»، أي حزمة الإصلاحات الواسعة التي طرحها الرئيس. وخلال السبعينيات، انضمّ الجمهوريون إلى الديمقراطيين دعماً لإقالة ريتشارد نيكسون.

معايير ديمقراطية

أصبحت تلك الأوقات جزءاً من الماضي الغابر. يسيطر الجمهوريون الآن على لجان الكونغرس المسؤولة عن التحقيق بعلاقة فريق ترامب مع روسيا، ويعمد هؤلاء إلى تأخير الإجراءات المطلوبة. بدوره، يشعر الرئيس بالقلق من المبالغة في تسليط الضوء على الروابط القائمة بين مستشاريه السابقين وموسكو، ويتّكل على مساعدة الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس.

يمكن اعتبار ترامب الرئيس الذي يكسر المعايير الديمقراطية، فهو يشكك بشرعية عهد أوباما الرئاسي وطالب باحتجاز هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية. بعد الانتخابات، تحدّث عن حصول تلاعب بالتصويت قائلاً إن ملايين المهاجرين الذين يعيشون في البلاد ينتخبون بطريقة غير شرعية مع أنهم لا يملكون الحق في ذلك. لكنه لم يقدم يوماً إثباتاً على صحة تلك الادعاءات.

كشفت أول مئة يوم من هذا العهد رئيساً عديم الأخلاق وزعيماً غير متّزن لا يطرح خطة واضحة ولا يهتم بالنهج السياسي. من المستبعد على ما يبدو أن يفرض ترامب حالة طوارئ أو يسعى إلى ترسيخ حكم الحزب الواحد: في النهاية، لا تشبه الولايات المتحدة تركيا أو فنزويلا. لكنه يُمهّد لتآكل الديمقراطية داخلياً ويستفيد من نقاط ضعفها. لذا يمكن التعويل بكل بساطة على قلة كفاءته.

طرح الخبير القانوني توم غينسبيرغ سؤالاً محورياً: «لو كان ترامب كفوءاً، هل كان الدستور ليحمينا؟». بدا جوابه مخيفاً: «ما كان الدستور ليحمينا على الأرجح!».

لا يستطيع الدستور الأميركي أن يحمي الشعب من الرئيس الذي يسعى إلى الانتقام

الميزانية ستتأثر ليصبّ إصلاح الضرائب في مصلحة الأثرياء بشكل أساسي

خلال مئة يوم من الحكم ترسّخت العداوة بين معسكر ترامب والمعسكر المعادي له
back to top