خاص

الناقد الأدبي شعبان يوسف: يوسف إدريس كان نرجسياً وغير مثالي وظلم كُتاباً كثيرين

نشر في 05-05-2017
آخر تحديث 05-05-2017 | 00:00
ألقى الشاعر الناقد الأدبي شعبان يوسف حجراً في مياه الأدب الراكدة في مصر أخيراً من خلال كتابه الصادر حديثاً «ضحايا يوسف إدريس وعصره»، إذ أثار حالة من الجدل الواسع بين المثقفين حول موهبة إدريس، ودوره في الحياة الثقافية.
قال شعبان إن الهدف من الكتاب إنزال إدريس إلى الأرض بعيداً عن وصفه بأنه أسطورة أو شخص مثالي، أو كما يحب أن يروج محبوه أنه لم يرتبط بالسلطة، وهذا غير حقيقي.
وأشار في حواره مع «الجريدة» إلى وجود كتاب يعيشون بيننا ولا يزالون يعانون التهميش الذي يمارسه أصحاب المصالح والشلل الأدبية... وفيما يلي التفاصيل:
قال البعض إن كتابك الأخير «يوسف إدريس وعصره» نال كثيراً من إدريس وتحامل عليه، ما رأيك؟

يوسف إدريس كاتب لا غبار عليه، وله تأثير كبير في مجال القصة القصيرة خصوصاً، وإضافة إلى إبداعاته الأدبية عمل أيضاً في السياسة والإعلام. هو كاتب يمكن أن يُطلق عليه «ظاهرة»، وأنا لم أتحامل عليه.

في الكتاب أتناول يوسف إدريس من زاوية محددة، وهي علاقاته بالآخرين، وحضوره الأسطوري الذي طغى على عدد من الكُتاب، وهذا ليس لأنه موهبة فذة، بل لأن ظروفاً كثيرة تحالفت معه، من بينها النقيضان (اليسار والسُلطة)، فحصل على دعم كبير من النظام بعد ثورة يوليو 1952، حيث كانت السلطة تدعم الموهوبين كي يكونوا أحد وجوهها، فشهدنا ظاهرة اسمها يوسف إدريس، ما أدى إلى تهميش كُتاب كبار من أمثال د. مصطفى محمود، ومحمد صدقي، وسليمان فيضان، وغيرهم... ما لا يقل عن 30 كاتباً كانوا يستحقون الظهور، ولكن اهتمام وسائل الإعلام كلها في ذلك الوقت كان منصباً على يوسف إدريس.

أين الموهبة؟

ولكن البعض يرى أنك أغفلت أن موهبته هي التي فرضت حضوره الطاغي؟

أولاً، لم أغفل موهبة يوسف إدريس، بل على العكس ستجد أنني أتحدث في فصول الكتاب عن هذه الموهبة التي يتمتع بها، ولكنها يجب ألا تلغي ما قبلها ولا تنسف ما بعدها، فقد حصل تأريخ للقصة القصيرة ما قبل يوسف إدريس وما بعده بسبب ارتباطه الوثيق بالسلطة، فهو الكاتب الوحيد الذي كتب كتاباً للرئيس الراحل أنور السادات عن الاتحاد القومي، كذلك أصدر كتاباً للسادات عن قناة السويس، وكان الكاتب الوحيد الذي يستطيع أن يتحدث عبر الهاتف إلى السادات وصلاح سالم وخالد محيي الدين، أو أي عضو في مجلس قيادة الثورة في أي وقت. وكان يستطيع الكتابة في أية صحيفة أو مجلة. هنا أتحدث عن حقائق ووقائع، ويوسف إدريس نفسه اعترف بذلك في حواره مع رشاد كامل بأن وجوده في هذه الفترة ربما ألغى كُتاباً آخرين، والبعض كان يحاول أن يقنع الناس بأن القصة هي يوسف إدريس فقط، ولكنني أقول في هذا الكتاب إن القصة لها وجوه متعددة، وإدريس جنى فعلاً على مصطفى محمود وبدر نشأت، بل إنه طغى أحياناً على نجيب محفوظ نفسه.

هل ترى أن تهميش كُتاب موهوبين لصالح آخرين أقل موهبة ما زال يحدث في الوقت الراهن؟

بالتأكيد، فهذا الأمر شأن مصري يتكرّر في العصور كافة، والحاجز الأخلاقي يمنعني من ذكر أسماء كُتاب موجودين على الساحة إعلامياً رغم أنهم ليسوا بقيمة من أُغفلوا، فيوسف إدريس ظاهرة ممتدة.

التوثيق

كيف تردّ على الادعاءات بأن كتاب «ضحايا يوسف إدريس» يفتقد التوثيق؟

هذا الكتاب ليس أكاديمياً وليس أيضاً كتاباً للدردشة. الحديث عن أنه يفتقد التوثيق أمر غير صحيح، لأنني أتحدث فيه عن حقائق مثبتة يعرفها القاصي والداني، ولكن بعض النقاد يحاول البحث عن جوانب سلبية لمجرد النقد. من جانبي، أستشهد بوقائع ذكرها يوسف إدريس نفسه، وأنا لم أتجن عليه، والدليل أن الكاتب اللبناني الكبير سمير عطا الله قال في معرض حديثه عن الكتاب إن شعبان يوسف يمدح يوسف إدريس ويرثي ضحاياه، لذا ثمة دائماً وجهات نظر متعددة. وفعلاً، في كل فصل أؤكد موهبة إدريس، ولكنني أرصد في الوقت نفسه حقائق موضوعية. مثلاً، عندما حصل نجيب محفوظ على جائزة «نوبل» شنّ يوسف إدريس هجوماً ضارياً عليه، وادعى أن الأديب الكبير حصل عليها من بوابة إسرائيلية بسبب ترحيبه من خلال الترويج للتطبيع مع إسرائيل، كذلك تطاول آلاف المرات على كُتاب بارزين واستبعد آخرين، إذ كان لديه قدر كبير من النرجسية باعترافه شخصياً، ومارس أشكالاً كثيرة من الاضطهاد لعدد من الكُتاب في عصره، والسُلطة ساهمت في ذلك.

ما عملك الإبداعي المقبل الذي تعد له راهناً؟

«المنسيون ينهضون»، وهو يسير في اتجاه إصداري الأخير نفسه تقريباً، حيث الأبطال هم كُتاب استُبعدوا بضراوة، ولم يكن لهم أي حضور في وسائل الإعلام خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، من بينهم على سبيل المثال بدر نشأت، وأنور أحمد، وعباس أحمد، وجميعهم استبعدوا تماماً من الذاكرة النقدية والإعلامية، وأصبحوا غير موجودين رغم أنهم أصحاب أعمال ذات قدر كبير من الأهمية. ويحوي الكتاب أيضاً مجموعة من الشعراء تم تجاهلهم عن عمد وأبرزهم محمد مهران السيد، ومحمد يوسف، وهو شاعر سبعيني عاش فترة طويلة في دولة الكويت. أشير هنا إلى أن ثمة شللاً أدبية تستبعد من تريد وتستقطب آخرين، وأنا أعمل على أن تكون هذه الكتابات ضد الاستبعاد والتهميش.

مرايا النقاد

كان «المجلس الأعلى للثقافة» أقام حفلة توقيع ومناقشة كتاب «ضحايا يوسف إدريس وعصره» بحضور عدد من الأدباء والنقاد من بينهم د. أحمد بهاء الدين، ود. أحمد مجاهد، ود. محمد الشحات، وأدار النقاش الكاتب نبيل عبد الفتاح.

قال د. أحمد مجاهد إن عنوان الكتاب جاء قاسياً وظالماً ليوسف إدريس، مؤكداً أن الأخير كان قامة بأدبه، وأننا يجب أن نفرق بين مقالاته وبين إبداعه، وأن الإبداع هو ما يحكم عملية التقييم في النهاية. كذلك أشار إلى أن الكتاب ثري بالطبع، وهو ما استدعى الخلاف عليه، مثنياً على جهد ودأب الشاعر شعبان يوسف في كتب تثري المكتبة العربية.

وقال الناقد محمد الشحات إن من الصعب تصنيف محتوى الكتاب، مؤكداً أن الأخير مهم لأنه يتخذ من الواقع المعرفي فضاء، وينطوي على مكر معرفي لدى شعبان يوسف، وتطرق إلى الفرق بين التاريخ الأدبي وبين التاريخ الثقافي العام، ولكن أخذ على الكتاب أن معظم الوقائع المذكورة فيه يخلو من التوثيق.

بدوره أشار أحمد بهاء الدين إلى ما تتعرّض له شخصية يوسف إدريس من أسرار ومن ألغاز، مؤكداً مكانته في الأدب، وأن الشاعر شعبان يوسف قدم صورة لإدريس نتفق أو نختلف معها أحياناً، إلا أنها صورة الكاتب والصحافي عند إدريس.

إدريس شنّ هجوماً ضارياً على محفوظ بسبب «نوبل»

مجموعة المصالح والشلل الأدبية مازالت تمارس الاستبعاد ضد المتميزين
back to top