هل يعلن كرد العراق دولتهم؟!
يتحكم الزعيم مسعود برزاني في منطقة "جيوبوليتيكية" مهمة وخطيرة تعج بالصراعات الطائفية والعرقية، وهي تفصل بين دولتين متصارعتين وحضارتين عريقتين بمذهبين مختلفين؛ الدولة الإيرانية (الصفوية) والدولة التركية (العثمانية)، وكل واحدة منهما تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم فيها وتكسب ود برزاني، حاولت إيران كثيرا أن تهيمن على الإقليم الكردي أسوة بالعراق، وتخضعه لأجندتها السياسية ولكن قرب الإقليم من تركيا وتداخل علاقاته التجارية والسياسية المتشعبة معها دفعاه إلى إقامة تحالف شامل معها، وبموازاة ذلك ابتعد عن طهران التي صممت على معاقبة الإقليم وفرض حصار سياسي واقتصادي قاس على الشعب الكردي من خلال موالين لها في التحالف الوطني الشيعي الحاكم في بغداد. ولكن جاءت النتائج عكس ما أرادتها طهران وحلفاؤها في بغداد، حيث رفض برزاني الخضوع لإملاءاتهم رفضا قاطعا وقطع الطريق أمام أطماعهم التوسعية وأصر على الوقوف في وجههم والصمود أمام ضغوطهم.يبدو أن قراءة إيران للرجل كانت خاطئة تماما، فهو ليس من النوع الذي يقبل بالهزيمة بسهولة، وقد خاض حروبا طويلة ومريرة مع النظام البعثي لعقود دون أن يوهن أو يرفع الراية البيضاء، فهو من النوع المحارب المعاند الذي يقبل التحدي ولا يستسلم بسهولة، ولو أدركت طهران ذلك لغيرت طريقة تعاملها معه، وانتهجت أسلوبا آخر أكثر حضاريا، ولكن العقوبات المتواصلة والضغوط المستمرة عليه دفعته إلى اتخاذ قرار نهائي بفك الارتباط بالدولة العراقية وإجراء استفتاء جماهيري تمهيدا للانفصال وتشكيل الدولة الكردية، وجاء رفع العلم الكردستاني على المؤسسات الحكومية في مدينة كركوك ليعقد الموقف المتأزم ويزيد الأمر سوءا.
ومن أجل الحؤول دون تنفيذ الأكراد لمطالبهم سارعت طهران وبغداد إلى إرسال وفودها إلى إقليم كردستان بدءا بقائد فيلق القدس (قاسم سليماني) ومرورا بوزير الخارجية إبراهيم الجعفري ورئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، وانتهاء بوفد مقتدى الصدر الذي حاول الالتفاف على القرار الكردي، وإبطال مشروع الاستقلال الكردي، وجر رجل برزاني إلى المستنقع العراقي ثانية من خلال طرح مشروع للنزول مع الكرد بقائمة واحدة في الانتخابات العراقية المقبلة، ولكن إصراره على موقفه، ومضيه في إتمام مشروعه أفشل تلك المحاولات.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل أخطأ برزاني في تصعيد الموقف وإيصاله إلى ما هو عليه الآن وفي هذا الوقت الحرج الذي يمر به العراق، وهو منهمك بالتصدي لتنظيم داعش الإرهابي؟ نعم أدرك الرجل أن ما طرحه سيمس الأمن الوطني العراقي، وتترتب عليه تغييرات واسعة في الهيكلية الديموغرافية للدولة، وقد يقلب المعادلة السياسية للمنطقة برمتها رأسا على عقب، ولكنه لم يجد أمامه غير هذا الطريق بعد أن جرب كل الطرق السياسية الأخرى ولسان حاله يقول "وش حداك على المر قال اللي أمر منه"!وبعد أن نفض برزاني يده تماما من التحالف الوطني الحاكم، وأيقن أنه لن يلتزم أبدا بالدستور، ولن ينفذ بندا واحدا من المادة 140 الدستورية التي تعالج قضية الأراضي الكردية التي تم تعريبها وتهجيرها بالقوة عبر عمليات عسكرية قمعية واسعة، توصل أخيرا إلى نتيجة نهائية مفادها؛ أن نقاط الالتقاء بين الطرفين انعدمت تماما، ولم يعد يوجد بصيص أمل في العودة إلى الحوار وتشكيل حكومة مشتركة، ومن الأفضل للجانبين أن ينفصلا عن بعضهما كجارين متحابين بدل أن يبقيا عدوين لدودين في بيت واحد. * كاتب عراقي