"مِن أول غزواته كسر عصاته"، فحركة حماس حتى قبل أن يتلاشى صدى إعلان وثيقتها الجديدة، التي تبنت فيها بعد 30 عاماً كل ما كانت تبنته منظمة التحرير عام 1988، وأهمه الاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود عام 1967، بادرت لإثبات وجودها "لدى من يهمهم الأمر" بشن حملة اعتقالات واسعة في قطاع غزة، طالت 13 قيادياً من حركة فتح، واستدعاء آخرين للتحقيق معهم، بلغ عددهم العشرات، بحجة الرد على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) الذي كان أعلن ضرورة إجبار هذه الحركة على تسليم "القطاع" إلى السلطة الوطنية.

ولعل قيام "حماس" بما قامت به في الوقت الذي كان "أبومازن" يلتقي دونالد ترامب في البيت الأبيض هو بمنزلة رسالة إلى الرئيس الأميركي بأن محمود عباس لا يمثل الفلسطينيين كلهم، وأن حركة المقاومة الفلسطينية، بعدما أعلنت "الوثيقة"، وتراجعت فيها عن كل مواقفها المتشددة السابقة، أصبحت هي "العنوان الفلسطيني" الذي يجب التوجه إليه، إن في "القطاع" وإن في الضفة الغربية، وإن في كل مكان من الوطن العربي والكرة الأرضية.

Ad

ثم وإن المؤكد أن "حماس" قد "تقصَّدت" إعلان وثيقتها الجديدة، التي تبنت فيها كل مواقف وسياسات منظمة التحرير التي بقيت تتهمها بالاستسلام والخيانة لثلاثين عاماً، بينما كان "أبو مازن" في طريقه إلى واشنطن للقاء دونالد ترامب، كرسالة للأميركيين بأنها غدت جاهزة لأخذ مكان المنظمة الفلسطينية، والقيام بالدور الذي تلعبه هذه المنظمة على صعيد عملية السلام التي بقيت تواجه مآزق وصعوبات كثيرة منذ إبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993 وحتى الآن.

كان الظن، وبعض الظن إثم، أن "حماس" بعدما أعلن زعيمها خالد مشعل وثيقتها الجديدة، ستتجه فوراً إلى منظمة التحرير، وإلى الرئيس أبومازن لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي أصابها انقلاب عام 2007 "الحمساوي" بالتصدع والانهيار، والاتفاق على خطوات التحاقها بمنظمة التحرير، بعدما تبنت في هذه الوثيقة كل مواقفها وكل سياساتها المتعلقة بالعملية السلمية التي بقيت تعتبرها وعلى مدى 30 عاماً بمنزلة استسلام وخيانة وطنية.

والواضح، حسب بعض المعلومات المتداولة في الأوساط القيادية الفلسطينية، أن "حماس" أقدمت على خطوة "الوثيقة" في إطار تحرك بعيد عن "أبو مازن" وحركة فتح ومنظمة التحرير، تقوم به بعض الأطراف العربية، وإحدى الدول الإسلامية، وربما بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن تأخذ حركة المقاومة الإسلامية دور المنظمة الفلسطينية، بعدما أهلتها هذه الوثيقة لهذا الدور، وتتوصل إلى حل مع الإسرائيليين، قد يبدأ باقتصار دولة فلسطين المنشودة على قطاع غزة، مع بعض التعديلات الحدودية التي كانت تحدثت إسرائيل عنها، وترك مصير الضفة الغربية لخطوات لاحقة بعيدة... وربما إلى الأبد!