أوضحنا في مقال سابق أن الزواج الذي وقع بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ بلقيس أسفر عن حمل، ثم إنجاب لولد أطلق عليه اسم "منليك" الأول، الذي استقر فيما بعد في "أكسوم" بإثيوبيا، وأصبحت ذريته، أو ما سمي لاحقاً "الأسرة السليمانية"، تحكم في إثيوبيا قروناً طويلة.

ويقترن تاريخ منليك الأول برواية إثيوبية أخرى تتعلق بـ"تابوت العهد" أو باللغة الإنكليزية (Arc of Covenant)، وهو صندوق مقدس لدى اليهود والنصارى منذ عهد نبي الله داود عليه السلام، ولا يعرف مكانه بالتأكيد اليوم.

Ad

إلا أن الرواية الإثيوبية تشير إلى أن هذا التابوت نُقل من القدس إلى "أكسوم" في إثيوبيا في عهد سليمان بن داود عليه السلام عن طريق ابنه منليك، الذي استبدل نسخة مقلدة من التابوت أهداها له سليمان عليه السلام بالنسخة الأصلية، التي أخذها معه إلى أكسوم وحفظت هناك إلى اليوم.

ويقوم بحماية التابوت، المحفوظ في "كنيسة مريم من صهيون"، أحد رجال الدين المسيحيين، ويحق له وحده رؤية ما بداخل التابوت، ولا يسمح لأحد آخر برؤية ما فيه مطلقاً، ويوجد بداخله ثلاثة صناديق ذات قياسات مختلفة، اثنان منها مصنوعان من الذهب والثالث، وهو الأوسط حجماً، مصنوع من الخشب.

ويبلغ طول التابوت ذراعين ونصف الذراع أو 3 أذرع، كما يبلغ عرضه ذراعاً ونصف الذراع أو ذراعين. وأهم ما يوجد بداخل التابوت لوحان من الألواح التي أنزلها الله سبحانه تعالى على موسى عليه السلام، إضافة إلى عصاه.

ويوجد في جميع الكنائس الإثيوبية نسخة مقلدة من التابوت كرمز للقدسية، ويتم حمل هذه التوابيت المقلدة خلال الاحتفالات بعيد الميلاد كل سنة في شهر يناير بإثيوبيا، حيث يخرج الإثيوبيون في مواكب ومسيرات حاشدة.

وورد ذكر التابوت في جميع الكتب المقدسة الربانية، ومنها القرآن الكريم، حيث ورد قوله تعالى في سورة البقرة (آية 248) "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ". يقول القرطبي في تفسيره "والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام، فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام، فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة، جالوت وأصحابه في قول السدي، وسلبوا التابوت منهم".

وحسب ما جاء في "التوراة" فإن التابوت مرتبط بالعديد من المعجزات، منها انفلاق مياه نهر الأردن لحظة دخول الشعب الإسرائيلي إلى أرض كنعان، ومنها سقوط الصنم "داغون" أمام التابوت في "أشدود"، ومنها انتشار الطاعون بين الرجال الذين لم يتعاملوا باحترام يليق بالتابوت، وغيرها من الروايات التي تسردها التوراة حول هذه المعجزات التي رافقت التابوت.