جاء خطاب البراك كما توقعنا في المقال السابق عقلانيا ومتزنا، شخّص فيه الحالة الكويتية بكل شفافية وموضوعية، واعترف بشجاعة بأخطاء المعارضة سابقاً؛ لاسيما في إعلاء العمل البرلماني على حساب العمل السياسي المنظم، والذي كان من نتائجه عدم مراجعة القوانين الأساسية التي تنظم القضاء وقانون الجنسية وقانون النظام الانتخابي، وهذا ما تطرق له الحربش في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة في دور الانعقاد الحالي. وأظهر البراك في هذا الخطاب حنكة سياسية عالية، صدمت أقطاباً في حكومة الظل وبعض المتباكين ممن لم يلتحقوا بقطار المشاركة وفضلوا المقاطعة، وذلك عندما طالب بمد يد التعاون مع السلطة بهدف حل القضايا العالقة، ونأى بنفسه عن حسابات المكسب والخسارة، لذلك خرج الخطاب موجها بشكل مباشر وصريح لمصلحة الكويت والكويتيين.
إن فلترة المواقف السياسية ومراجعتها من فترة لأخرى، بما يتوافق مع المزاج العام، تعتبر من أبجديات العمل السياسي، وهي أيضاً ضمان نجاح واستمرار لرجل السياسة؛ لأن هذه المراجعة تتيح له القدرة وبكفاءة على طرح قضايا تلامس هموم الناس، وإمكانية حلها من خلال القنوات الدستورية المتاحة؛ وتقتضي الحاجة لذلك خلق مساحات كافية للتعاون مع السلطة التنفيذية بطرق لا تخل بالمبادئ والأخلاق والقيم الديمقراطية، ما من شأنه الوصول لنقاط مشتركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.وهذه النقاط تكون نقطة انطلاقة لحوار وطني عام بهدف التصالح بعد فترة توتر العلاقة بين السلطتين؛ تشارك فيه الحكومة بكل أجهزتها ذات العلاقة مع كل القوى السياسية وجمعيات النفع العام والاتحادات الطلابية والإعلام ورجال الأعمال والنشطاء السياسيين؛ حوار يعبر عن كل مكونات المجتمع الكويتي، على أن يكون إطاره العام هو: تطلعات وآمال أبناء الشعب الكويتي بإعادة أمجاد الماضي، وذلك باسترجاع الكويت كما كانت عروساً للخليج ومنارة للثقافة العربية، وذلك بفضل تضافر جهود أبنائها المخلصين من جميع الطوائف والفئات.إن الشرط الأساسي لنجاح هذا الحوار هو أن يكون عقلانياً يتم فيه الابتعاد عن إلقاء اللوم من جميع الأطراف، والانطلاق مباشرة نحو عصف ذهني تتم فيه مناقشة وتبادل الأفكار مع الآخرين في إطار قيم الديمقراطية التي تعطي مساحة كبيرة لاستيعاب كل الأطروحات المختلفة، ومهما كانت حدتها؛ حتى لا ينزلق المتحاورون باختلاف مرجعياتهم إلى المهاترة والتشنج بسبب الجهل والانفعال العاطفي والتعصب نتيجة للتحدي والإثارة بهدف دغدغة مشاعر الآخرين.ختاماً: البراك التزم خلال خطابه بقيم الديمقراطية وتبني نهج التهدئة المشروطة في حال سعت السلطة إلى ذلك، على أن تكون جادة لحلحلة القضايا العالقة، والتوقف عن الإجراءات الرادعة التي اتخذتها سابقاً بحق بعض المخلصين من أبناء الشعب الكويتي على خلفية الآراء السياسية، ورفع قيود تكميم الأفواه فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي، وصولاً إلى العفو العام، وإلا فستكون هناك محاسبة، ودمتم بخير.
مقالات - اضافات
«High Light»: الضمير التزام قيمي
06-05-2017