في الميثولوجيا اليونانية أن الشيطان خطف شعلة العلم من الإله وأعطاها للإنسان... وانطلاقاً من هذه الأسطورة بدأت عقدة الغرب ومقارنتهم المريضة بين الدين والعلم، وبعدئذ غيّر الروم أسماء الشخصيات اليونانية بأسماء إنجيلية، وأصبحوا يسمون إبليس باسم Lucifer المشتق من كلمة Illumination أي المُنير، بل زعموا أن التفاحة التي قضمها آدم هي فاكهة العلم التي صده عنها الإله لئلا يفتتن بعظمة العلم، فتشبث الأوروبيون بجدلية العلم ضد الدين، حتى وصلوا إلى العلمنة المطلقة، غير أن كاتب هذه المقالة يقف في صف المتمردين على الدين غير الإسلامي، الذي يجبرهم على الجهل.

المضحك المبكي، أن هذه الإشكالية الأوروبية المحضة، ابتلعتها «النخبة» العربية ضمن جملة المعلبات الفكرية المستوردة، فرغم عدم حجية العربي الملحد، فإنه يستمر في افتعال سيناريو مظلومية ثقافته المحبوسة من قبل رجال دينه، الذين يبشرونه بالفردوس لو أطلق عبقريته المكبوتة في شيء ينفع!

Ad

وهنا فإننا نؤكد حماقة المقارنة الرعناء بين الدين والعلم، التي يتشدق بها مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي ذوو الحسابات الوهمية المتابعة من قبل آلاف الشباب الهاوين لنشوة التمرد المنصرمة، والذين يطعنون في الإسلام من خلال نكرانهم الصريح مسلماته الناصعة بشأن العلم، ومنها أن أول كلمة قرآنية نزلت «اقرأ»، إلى جانب رفعه منزلة العالم على عُباد المحراب في صريح الأحاديث، كقوله، صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»!

هل من مبرر لوجود الببغاوات العربية رغم عدم وجود قساوسة بيننا يحرمون اكتشافات فلكية مشهودة بصرياً مثل كروية كوكبنا، حينما تم تصويره من القمر؟ ألم يتدارسها علماؤنا المسلمون قبل كوبرنيكوس في تفاسيرهم القرآنية؟ هل زندقنا المؤمنين بالديناصورات كرهبان الرجل الأبيض بسبب ذكر الإنجيل أن الأرض خلقت بفترة أقل من عمر عظمة «التيراناسورس ريكس»؟ أولم يكتشف نزار إبراهيم أكبر هيكل عظمي داخل وطنه الإسلامي بالصحراء المغربية لديناصور «الأسبيونوصور» لتلقبه «ناشونال جيوغرافيك «محقق الديناصورات» بدون زندقتنا له؟، هل حرم ديننا نظرية الانفجار الكوني العظيم المؤكدة فيزيائيا، والمتلفزة شروحها من قبل البروفيسور الياباني الأصل ميتشياو كاكو الشهير، بخلاف تكفير البابا لذلك دفاعاً عن سفر التكوين؟ والله يقول «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا»، في إشارة صريحة إلى نظرية الانفجار الكوني والنظرية الخيطية لبنية الذرات؟

فالفتق بالفصحى يعني التمزيق لثوب مخيط، والرتق هو الحبك لرداء مشقوق، كذلك هي كتلة الكون، فالذرة خيوط متكورة، خاطت النسيج الفضائي الذي تفجر بسبب التسعر الهيدروجيني لتنفجر كرة الكون وتسبح كل المجرات داخلها! فهذه القوة التمددية للفضاء تم التعبير عنها بآية «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ»، وأكد العلماء نفاد القوة الطردية لهذا الانفجار، وانتصار الجاذبية الجمعية لكل الكون، لينكبس كله متكبكباً على بعضه، ليحقق نظرية أخرى يكفرها الإنجيليون مسماة بـ «»السحق الأعظم»، المذكورة قرآنياً: «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده».

وحتى يومنا هذا يظهر في «الاتجاه المعاكس» لفيصل قاسم خليجي يصيح بضرورة التعري من كل ما سلف من حضارتنا حتى قرآنها، بحجة نصرة العلم، رغم أنه قد يدخل الجنة لو أنتج بطارية تشحن نفسها بدلاً مما يفتريه! ولكنه أنتج أمواجاً مضادة لمن يصيحون بنبرة إرهابية أن العلم المثبت نرفضه على حساب الدين، وكأن خالق الدين والدنيا له شريك! سبحان الله عما يصفون.