يستشهد د. أسامة عبدالرحمن في كتاب قديم له نُشر بسلسلة عالم المعرفة بعنوان "البيروقراطية النفطية ومعضلة التنمية"، بعبارات لأحد الخبراء يقول فيها: "لقد رأيت رؤية العين دولاً نامية تنفق الملايين لإقامة المشروعات، ولاستيراد الآلات، ثم تعجز عن إدارة المشروعات، لعدم توافر الإدارة السليمة القادرة الواعية، ورأيت دولاً أخرى يقل ما تنفقه من أموال على المشروعات الجديدة، لكنها تنجح في تنظيمها وتحقيق أهدافها".

أزور بين فترة وأخرى مركزاً طبياً حكومياً كان رائعاً في بداياته، لكن لاحظت أنه يعاني الآن نقصاً يؤثر في خدماته، مثل تأخر وصول أجهزة طبية حديثة، أو هناك لامبالاة في صيانتها، سألت مديره الذي أجاب شاكياً: كيف نبرر للمرضى المراجعين هذا النقص إذا كانت الوزارة تنفق وتهدر ملايين الدنانير كل عام على العلاج بالخارج، فيما تتأخر وتمانع في توفير ميزانية بسيطة للإصلاح، بحجة التوفير بالميزانية؟! لا توجد ميزانية لتصليح عُطل بسيط في جهاز آلي، لكن توجد ميزانية سخية للواسطة والمحسوبية لهذا الوزير الشيخ، الذي يهمه إرضاء هذا أو ذاك النائب، كي يبصم بالعشرة مع الحكومة.

Ad

محامون يشتكون الآن من صعوبة متابعة قضاياهم، بعد أن تم تشتيتها في عدة مبانٍ بالجهراء والرقعي وحولي، لأن قصر العدل لم يعد يستوعب حجم تزايد القضايا.

لم يسأل أحد حين تم افتتاح هذا المبنى قبيل الاحتلال بفترة بسيطة، ما إذا كان المخططون الإداريون للمبنى قد عملوا حساب القادم والمستقبل وزيادة السكان ومشاكلهم، أم كانوا يرقعون الأمور على طريقة الإدارة النفطية بالعقلية المشيخية المتعارفة؟ ولنا أن نقيس بقية أمور "البيروقراطية النفطية" في عرض البلاد وطولها، وكيف يتم التعيين فيها وفق المعرفة الشخصية، ورفض أهل الجدارة، لنعرف الإجابة، بعد كل ذلك، عن سؤال لماذا هذا الهدر والإنفاق بالبلايين على مؤسسات الدولة، كي ننتهي بهذه الرداءة والفساد في خدمات المرفق العام.

كتاب أسامة عبدالرحمن الذي نُشر قبل أكثر من عقدين محوره أزمة إدارة التنمية بدول الخليج، وهو يصل في بعض استنتاجاته إلى أنه من "غير المنتظر من الأجهزة الحكومية أن تكون صالحة للتنمية، وهي التي ترفع رايات البيروقراطية، وتدين بالولاء للروتين، وتنتج كل يوم نسيجاً معقداً من الإجراءات والأنظمة والقواعد، وتضطهد الكفاءة والإنتاجية والروح المعنوية، وتتوسع في بناء الإمبراطوريات الإدارية، وتمنح ولايتها للبيروقراطيين بكل فئاتهم، وفي مقدمتهم المتسلقون، ولا تجد في قاموسها مكاناً للإنجاز والأداء".

بعد ثلاث سنوات سيكون مضى ثلاثون عاماً على نشر الكتاب، فما الذي تغير في إدارة المرفق العام؟ وما الذي تغير في الإدارة السياسية؟ وما الذي تعلمته في ثلاثة عقود حدث فيها احتلال وضياع للدولة، ثم عودة للدولة ببركة النفط وأموال النفط، ثم خمود قليل في سعر النفط، ثم طفرة رهيبة في أسعاره، وننتهي الآن إلى حقيقة تبدد الحلم والوهم، بعد أن دفع النفط الصخري الأميركي بدولنا إلى مرارة الواقع الذي نحياه اليوم؟ ماذا تعلمت هذه الإدارة طيلة هذه العقود الطويلة؟ هل تعلمت شيئاً أم أن تعليمها وقف عند حد "يقرأ ويكتب"؟ وهي، بالمناسبة، كانت إجابة وزير في منتصف التسعينيات عن سؤال برلماني عن "كفاءة" تعيين أحدهم على رأس لجنة المناقصات المركزية!