يتتبع إصدار "الوجه الإنساني للمجتمع الكويتي" مسيرة العمل الخيري التي يقدمها الكويتيون منذ تأسيس البلاد حتى اليوم.

وفي تصدير الكتاب، قال رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي الغانم: "قبل عقدين أو أكثر قليلا، دخل عالم الأعمال وأدبياته تعبير (المسؤولية الاجتماعية)، ولأن التعبير جاء من الغرب، فقد نظر إليه الكثيرون وكأنه مفهوم جديد، يضع على الوجه القاسي لأصحاب الأعمال مسحة إنسانية".

Ad

وأضاف: "واقع الحال، إننا في الدول الإسلامية والعربية، لم نكن بحاجة إلى هذا التعبير الجديد، لأن مفهومه العلمي والحقيقي بالنسبة لنا ليس مجرد مسؤولية مجتمعية، بل هو واجب من منظور العقيدة وملزم في بعض جوانبه (الزكاة)، وهو فعل إيماني يقرب من الله ومرضاته في بعض جوانبه (الصدقة)، كما أنه باعث على السعادة الداخلية ومشاعر الرضا عن الذات في جوانب أخرى (بناء المساجد والمدارس والمستشفيات)، ونحن أول من جعل لهذه المسؤولية بجوانبها المختلفة مؤسسات إدارية تنظمها في وجود أهلها وبعد غيابهم (الأوقاف والثلث). وفي (الزكاة) من العدالة والدقة والانعكاسات الاقتصادية ما لا يدركه أي نظام ضريبي حديث. وفي (الأوقاف) وأنظمتها وأنواعها ما لا تبلغ شموله أية صناديق تأمينات معاصرة".

واستطرد الغانم في الحديث عن واقع العمل الإنساني قديماً: "وفي الكويت، تميز مجتمع الأعمال قبل النفط -على الرغم من بساطته ومشاق عمله ومحدودية موارده- بالتزامه الصادق بهذه المسؤولية العقيدية الإنسانية بالمفهوم والآليات السابق ذكرها. وعندما جزى الله صبر الكويت وأهلها بفيض رزقه، ازداد الوجه الإنساني للكويت إشراقا، وازداد عملها الطيب امتدادا واتساعا ليصل إلى مختلف بقاع الأرض، من خلال شخصيات رائدة لن تنسى ومؤسسات شعبية وحكومية أصبح اسمها صنو النماء والخير والعطاء في آسيا وإفريقيا عموما، وفي العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، وفي الكوارث الطبيعية أينما حلت، والكوارث التي يسببها الإنسان لأخيه الإنسان حيثما وقعت".

وعن تكريم الأمم المتحدة لسمو أمير البلاد بلقب قائد إنساني واعتبارها الكويت مركزاً إنسانياً، قال الغانم: "وإذا كنا نعتز بلقب (المركز الإنساني العالمي) ولقب (القائد الإنساني) اللذين وشحت بهما الأمم المتحدة صورة الكويت وعباءة أميرها فإننا نعرف تماما أن اللقبين مستحقان منذ زمن بعيد، وأنهما جاءا وصفاً لحقيقة وإقرارا بواقع، ولم يأتيا مجاملة دبلوماسية في مناسبة عابرة".

وأشار الغانم إلى الهدف من الإصدار، فقال: "إن الغرض العلمي الذي تستهدفه غرفة تجارة وصناعة الكويت من هذا الإصدار هو توثيق هذه الحقيقة لأجيالنا القادمة، علّها تتعرف على القدوة فتعتز بها وتتخذ منها أسوة حسنة. أما الهدف الوطني لهذا الاصدار فهو تحية المواطن الكويتي الذي تعلم، منذ اختار الكويت وطناً وهوية، أن يقتسم لقمته مع أخيه ولو كان به خصاصة، مما جعل للكويت روحاً إنسانية متميزة تسري في رمالها وشواطئها كما تسري في قلوب أهلها، ومما جعل العالم أجمع يقر للكويت بمركزها الإنساني العالمي وبالقيادة الإنسانية لأميرها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه".

واختتم الغانم حديثه، موضحاً دور مركز البحوث والدراسات الكويتية في هذا الإصدار، وقال ضمن هذا السياق: "وما كان للغرفة أن تجد شريكاً في هذا العمل التوثيقي أفضل من (مركز البحوث والدراسات الكويتية) بما يضمه من أمهات المراجع، وبمن يقوم عليه من قامات المعرفة، والغرفة إذ تشكر المركز على نهوضه بهذه المسؤولية، تود أن تؤكد أن تحرير هذا الكتاب بكامله وكل تفاصيله يعكس جهد المركز وحده، ودور الغرفة اقتصر على طرح الفكرة وتمويل التنفيذ. أما تحرير الكتاب ومضمونه فهما بالكامل نتاج جهد المركز وقناعاته".

العطاء الإنساني

وبدوره، قال المشرف العام على الإصدار د. عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية إن الكويت عرفت طوال تاريخها بالعمل الخيري المتميز النابع من أصالة تمتد جذورها عميقا في التاريخ العربي قبل الإسلام، وبعده، ولطالما عرف أهلها بسجايا السخاء في موضعه، والإيثار لمن يستحقه وغيرها من الأخلاق العربية النبيلة والمحامد الإسلامية السامية حتى صارت تلك السمات نهجا راسخا في حياة الأجداد وسار على خطاها الآباء والأبناء، فضربوا أروع الأمثلة في العطاء الإنساني، وساهموا في رسم صور خالدة عن العمل الخيري الذي انتقل من النطاق المحلي الضيق إلى الحيز الاقليمي القريب، ثم إلى الأفق العالمي الواسع.

وأشار الغنيم إلى أن العمل الخيري لم يكن مقتصرا على النشاط الأهلي، بل امتد ليكون نهجا متجذرا في العمل الرسمي، فلقد حرص حكام الكويت المتعاقبون على دعم العمل الإنساني النبيل، والمساهمة فيه وتشجيع أبناء البلاد على استمراره وتطويره وتوسيع آفاقه، ولعل الانجازات التي حققها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد، حفظه الله ورعاه، في هذا المجال خير دليل على ذلك، وقد توجت تلك الانجازات بتقدير عالمي متميز من منظمة الامم المتحدة في سبتمبر من عام 2014، حين اطلقت على سموه لقب (قائد للعمل الانساني)، إضافة الى تكريم العطاء الخيري لدولة الكويت وأبنائها فأطلقت عليها مسمى (مركز إنساني عالمي) نظرا لدورها الرائد المنطلق من ايمانها بوحدة الانسانية، وقناعتها بأهمية الشراكة بين الامم، وتوحيد وتفعيل الجهود الدولية بهدف المحافظة على الاسس التي قامت الحياة من اجلها.

وتابع: "يأتي هذا الكتاب، الذي أعده فريق من الباحثين بإشراف مركز البحوث والدراسات الكويتية وتكليف من غرفة تجارة وصناعة الكويت، ليرصد مسيرة العمل الخيري الأهلي لأبناء الكويت منذ تأسيس البلاد وما قبل مرحلة النفط، وحتى اليوم والدور الذي أداه ذلك في نهضة الكويت وتطورها، وتعزيز علاقاتها بدول العالم ويسلط الضوء على دور الرواد المؤسسين في ترسيخ مفاهيم العمل الخيري ويستعرض صورا من أعمال البر والإحسان والوقف الخيري، وهو ما يمثل جانبا مهما من تراث اهل الكويت وعملهم الانساني".

وعن مضمون الكتاب قال الغنيم: "يتطرق الاصدار الى موقع الكويت وتميزه عبر المكان والزمان، وظروف نشأتها ومراحل تكوينها وشخصية أهل الكويت وسماتها وتفاعلها مع الموقع، ورسوخ قيمة العمل والانتاج في تلك الشخصية، وقدرتها على الإبداع في مجالات عدة، إضافة الى دور العمل الخيري الأهلي والمؤسسي المعاصر، لاسيما المؤسسات الاقتصادية وجمعيات النفع العام والجمعيات الخيرية، والمبرات، والفرق التطوعية".

الجهود الاجتماعية الخيرية الفردية

يرصد الكتاب مسيرة العمل الخيري لأبناء الكويت منذ تأسيس البلاد وقبل مرحلة النفط، حتى اليوم، والدور الذي أداه في نهضة الكويت وتطويرها، وتعزيز علاقاتها بدول العالم.

ويسعى هذا الاصدار إلى التعريف بشخصية الكويت الحضارية عبر تفاعل مقومات المكان والزمان مع إنسان هذه المنطقة من أرض الجزيرة العربية، بما يحويه ذلك من تضافر عناصر وعوامل عديدة، وتداخل ثنائيات ومؤثرات ساهمت في تفاعل الإنسان مع الأرض في تناغم عجيب، شكل دلالة واضحة على قدرة إنسان هذه الارض وحيويته وتفاعله مع مجتمعه ومحيطه ليشكل شخصية إنسانية ناضجة تشعر بالآخرين، وتفرغ لعونهم وتتفاعل مع أزماتهم.

ويسطر الكتاب معالم سيرة العمل الخيري الشعبي في دولة الكويت، ويتطرق الفصل الأول من الكتاب إلى موقع الكويت وتميزه عبر المكان والزمان، من حيث شخصية الكويت، وظروف نشأة هذا الوطن ومراحل تكوينه، وطبيعة المجتمع الكويتي ككيان مجتمعي ديموغرافي متعدد الاعراق والثقافات، والعلاقة الوثقى بين حكام الكويت وشعبها، باعتبارها علاقات حكم راشدة، منبعها الحب والتقدير بين الحكام ومواطنيهم. أما الفصل الثاني فيدور حول دور الرواد المؤسسين في ترسيخ مفاهيم العمل الخيري، وما صاحب ذلك من دور مميز للنخب الثقافية والتجارية من رجال الكويت.

أما الفصل الثالث، فقد تناول العمل الخيري الاهلي والمؤسسي المعاصر، ومهد له بعرض صور من الجهود الاجتماعية الخيرية الفردية، ثم انصب الاهتمام فيه على الجهود الخيرية المؤسسية (جمعيات النفع العام والجمعيات الخيرية) والمبرات الخيرية، والفرق التطوعية.

وفي الفصل الرابع تم التركيز على نماذج من الاعمال الخيرية لمؤسسات أهلية كويتية فمهد بالحديث عن رجال الأعمال الرواد الذين بنوا أسس الاقتصاد الكويتي ودعمهم للعمل الخيري، ثم ذكر أهم المؤسسات الاقتصادية والمجتمعية التي قدمت نموذجا بارزا في مساندة الاعمال الخيرية مثل: غرفة تجارة وصناعة الكويت، وجمعية الهلال الاحمر الكويتية، وما أفرزته الجهود الكويتية في مساعدة الطلبة، مثل: الجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة، والمؤسسة العالمية لمساعدة الطلبة العرب.