«العامل»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
واقعة مثيرة نستعيد وقائعها بمناسبة الاحتفال العالمي بعيد العمال، ونبرهن من خلالها، بالدليل القاطع، على حجم التأثير القوي للسينما، فضلاً عن الدور الحيوي، والمهم، الذي تقدمه، في ما يتعلق بالقضايا الواقعية، والهموم الحياتية، والفئات، والطبقات، الاجتماعية المتباينة، وإن ظلت صورة «العامل»، كما قُدمت على الشاشة، رهناً بالظروف المجتمعية، والاقتصادية، والسياسية، ما جعل السينما تتأرجح، صعوداً وهبوطاً، في الاقتراب من همومه الحياتية، أو تتطرق إلى معاناته اليومية، وتتردد كثيراً قبل أن تجعله محوراً لحديث أو مناقشة، وتتعامل معه تبعاً لاهتمام «النظام»!في العام التالي مباشرة، قدَّم يوسف وهبي «ابن الحداد» (1944)، الذي ركز على الجانب الإنساني للطبقة العاملة من خلال المهندس «طه» ابن العامل البسيط، الذي اهتم والده بتربيته، وتعليمه في الخارج، حتى صار مهندساً ومالكاً لمصانع عدة، التي أحبه عمالها، وعقب زواجه، وهو الشاب العصامي، من ابنة أحد الباشاوات، وأغدق عليها، وعلى عائلتها، المال بغير حساب، استغلوه وخدعوه، وأهملوه، واحتقروه، قبل أن يفاجئ الجميع بإشهار إفلاسه، وانتقاله مع زوجته وابنته للعيش في غرفة متواضعة بمنطقة شعبية، كما اضطرا إلى البحث عن عمل، ولما أيقن أن الزوجة تعلمت الدرس، عاد ليُعلن للجميع أنه لم يفقد ثروته، ومصانعه!هكذا بدت الصورة في زمن ما أطلق عليه «مجتمع النصف في المئة»، حيث الإقطاع، وأصحاب رأس المال، ممن تحكموا في مقدرات البلاد، وثرواتها، وانعكست الحال على السينما «مرآة المجتمع» في شكل تراجع حاد لصورة «العامل» على الشاشة، حتى يمكن القول إن عدد الأفلام التي اتخذت من «العامل» محوراً لأحداثها لم تكن لتزيد على فيلم في العام، غالبيتها لا تتخذ من المصنع مسرحاً لأحداثها، وإنما كانت تتخذ سلسلة المتاجر اليهودية الشهيرة أو محلات «الميني فاتورة» واجهة لها ولعمالها، الذين كانت تسميهم «المستخدمين»، كما في «العزيمة» (إنتاج 1939) و«لعبة الست» (إنتاج 1946). لكن الحال تغيرت مطلع الأربعينيات، عندما اختار بعض الأفلام «الورشة» بدلاً من «المتجر»، واستمر غياب «المصنع»!القراءة المتأنية لأفلام تلك الفترة تؤكد أنها كانت تستهدف التغييب، والإبقاء على الأوضاع كما هي، والأهم الحيلولة دون دفع الناس إلى الثورة أو التمرد، مع الإيحاء الدائم بأن «السعادة ليست في جمع المال وإنما في الوفاء» (فيلم «لعبة الست») و«السعادة في الاقتناع بما قسم الله من رزق» (فيلم «الأسطى محروس»)، بل إن غالبية تلك الأفلام كانت تحرص على عقد مصالحة بين الطبقة الأرستقراطية، وأصحاب رأس المال، وبين الطبقة الشعبية، والعمال على وجه التحديد، وتكريس مقولة إننا مجتمع زراعي وليس صناعياً، مع الإيحاء الدائم، بطرف خفي، بأن التعاون بين الفقراء والأغنياء فيه صلاح الأمة!