نُباح
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
ولكي تأخذ كل هذه الهموم شكل الواقع الإنساني، جعل الكاتب بطل روايته يتحدث بلسان المتكلم طوال فصول الرواية. والراوي هو الصحافي السعودي الذي يشهد ماضيه وحاضره، ويمزجهما معاً كسوائل اختلط مرّها بحامضها بماسخها، حتى لم يبقَ من حلوها غير شذرات مشكوك في جدواها حين تلوح كذكريات باهتة. ويبدو أن تلك الذكريات كانت الشرارة المتوارية التي أوقدها سفر «الراوي / الصحافي» إلى اليمن لحضور مؤتمر، لتنثال بعد ذلك ذكريات الصبا في «جدة»، وذكريات الحب المتعثر العابث لفتاته اليمنية ابنة الجيران، قبيل وإبان الحرب. ولأنه اعتقد أن حكاية الحبيبة معه لم تنتهِ برحيلها وأسرتها من جدة إلى اليمن أثناء الحرب، فقد أغراه التوق وما تبقى من فضول لمعرفة مصيرها بعد مرور سنوات طوال على رحيلها. وهكذا تتأسس الرواية على مسألة البحث المضني عن الفتاة أثناء وجود الراوي في اليمن. وخلال رحلة البحث يجد الراوي نفسه وجهاً لوجه مع ماضيه المرتبك، بل مع شخوص ذلك الماضي مثل «غلام» الهندي و»شفيق» المحتال وغيرهما ممن لا يحمل لهم في قلبه غير الضغينة والنفور. وحين يجد الفتاة أخيراً تنهار كل رؤاه الوردية حولها، بعد أن وجدها في بيت للدعارة يديره «غلام» الهندي، ووجدها إحدى ساكنات ذلك البيت، تبيع فيه بضاعتها. وقد لا يخفى على القارئ وهو يمرّ بكل تلك التفاصيل عن علاقات متوترة ونفوس خربة وأجواء ملطخة بالسواد، قد لا تخفى عليه الإسقاطات السياسية الواضحة على أوضاع المنطقة وغرقها في الوحول الأخلاقية، عقب ضياع أحلام الوحدة والتنمية بعد الغزو العراقي وإبانه. ولعل الفصل الأخير هو خير ما يوضح تلك الانهيارات النفسية، حين يستجيب الراوي لطلب المرأة (فتاته السالفة)، بأن ينسب طفلها غير الشرعي لاسمه في ورقة رسمية، رغم أنه لم يرها إلا في تلك اللحظة! يفعل ذلك في حالة من الغيبوبة والذهول، وفي بيت الدعارة ذاته. وهكذا، تفعل القلاقل السياسية فعلها في تشويه النسق الثقافي والاجتماعي، فارضة هذا اللون من العلاقات الإنسانية المريضة التي ستحتاج زمناً طويلاً للتعافي من جروحها وانكساراتها.