أبطلت المحكمة، برئاسة المستشار نجيب الملا، حكم محكمة الجنح المستأنفة، الذي انتهى الى عدم اختصاص القضاء بنظر مسألة احد العسكريين المتهمين بالإساءة بالسب والقذف لزميله في العمل، وباختصاص القضاء العسكري بذلك، استنادا الى الطعن الذي اقامته النيابة العامة إلى دائرة جنح التمييز، رغم ان الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة انتهى الى عدم اختصاص القضاء.وكانت جهة الادعاء وجهت إلى المتهم أنه سب علنا المجني عليه على نحو يخدش شرفه واعتباره، وطلب الادعاء العام معاقبته طبقا للمادة 210 من قانون الجزاء، وبصحيفة معلنة ادعى المجني عليه مدنيا ضد المتهم، بطلب الحكم عليه بأن يدفع له مبلغا قدره 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت مع حفظ كل الحقوق الاخرى.
وقضت محكمة الجنح حضوريا في الدعوى الجزائية بتغريم المتهم 75 دينارا عما أسند اليه، وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صيرورة الحكم نهائيا، على أن يقدم تعهدا مصحوبا بكفالة مالية قدرها 100 دينار، يلتزم فيه بحسن السلوك. وفي الدعوى المدنية بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغا وقدره الف دينار، تعويضا نهائيا.
قبول الاستئنافين
واستأنف المتهم الحكم بطلب البراءة، ورفض الدعوى المدنية، واستأنف المدعي بالحق المدني الحكم المذكور، وحكمت محكمة الجنح المستأنفة بقبول الاستئنافين شكلا، وفي موضوع الدعويين الجزائية والمدنية بنظر الدعوى بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم انعقاد الاختصاص للمحاكم العسكرية، فطعنت النيابة العامة على الحكم الاخير أمام محكمة جنح التمييز كما طعن المدعي بالحق المدني.وقالت محكمة جنح التمييز إن النيابة قدمت مذكرة بأسباب طعنها نعت فيها على محكمة الجنح المستأنفة القضاء بعدم اختصاص المحاكم الجزائية بنظر الدعوى، وانعقاد الاختصاص للمحاكم العسكرية، واضافت ان الأخيرة بنت قضاءها في هذا الشأن على اساس انه ما كان لمحكمة اول درجة ان تنظر الدعوى مما كان يتعين معه على تلك المحكمة ان تقضي بعدم الاختصاص لان النص في الفقرة الاولى من المادة الثانية من المرسوم لسنة 1992 بإصدار قانون المحاكمات والعقوبة العسكرية على أن «يختص القضاء العسكري بنظر الجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريون على الوجه المبين في هذا القانون ولا يحوا انتهاء الصفة العسكرية دون الخضوع للقضاء العسكري متى وقعت الجريمة اثناء توافر هذه الصفة»، وفي المادة التاسعة منه على انه «يعتبر عسكريا في حكم هذا القانون أفراد اية قوة نظامية في الدولة اذا صدر مرسوم بمحاكمتهم امام القضاء العسكري على جرائم من اختصاصه، وان النص في المادة 49 من ذات القانون على ان يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة دينار او احدى هاتين العقوبتين كل عسكري يعتدي بالقذف او السب على من اعلى منه رتبة، وفي المادة 10 من القانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة المعدل على أن تكون محاكمة رجال الشرطة عن الجرائم العسكرية امام المحاكم العسكرية وفق احكام قانون المحاكمات والعقوبات العسكرية».المحاكمات العسكرية
وأضافت المحكمة انه لما كان ذلك، وان الطرفين من رجال الشرطة المجني عليه برتبة مقدم والمتهم برتبة رائد، وكان الاول أعلى رتبة من الاخير، وقد تلفظ المتهم على المجني عليه بألفاظ السب أثناء عملهما الرسمي، مما تتوافر معه شروط اختصاص القضاء العسكري، وردت النيابة العامة على النظر أنه لا يوجد قانون للمحاكمات العسكرية في البلاد، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه قد اخطأ في تطبيق القانون في قضائه بعدم اختصاصه بنظر الدعوى وانعقاد اختصاص القضاء العسكري بنظرها مما يستوجب تمييزه.واضافت المحكمة «وحيث إن هذا النعي سديد وذلك ان المرسوم بالقانون رقم 136 لسنة 1992 بإصدار قانون المحاكمات والعقوبات العسكرية الصادر في 10/10/1992 لم يقره مجلس الامة بجلسته المنعقدة في 19/1/1993 ومن ثم زال المرسوم المذكور بما كان انه من قوة القانون اعتبارا من تاريخ صدوره، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم اختصاص نظر الدعوى الجزائية واختصاص نظر المحاكم العسكرية ولم يتعرض لموضوع الدعويين الجزائية والمدنية فإنه يكون قد اخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تمييزه».شهود الإثبات
وقالت المحكمة إنه «وبما ان الذي بان لهذه المحكمة اقتناعا به ان الحكم المستأنف قد اصاب الحق فيما انتهى اليه من ادانة المتهم بما اسند اليه من سب المجني عليه سبا علنيا وفق ما تضمنه وصف الادعاء العام وذلك لأسبابه التي ساقها وبنى قضاءه المستقيم عليها والتي تقرها هذه المحكمة وتضيف اليها مصداقا لها ان المحكمة تطمئن الى اقوال شهود الاثبات، الذين شهدوا بالتحقيقات بحصول الواقعة على النحو الذي جاء على لسان المجني عليه».وأشارت الى انه «وفي التعقيب على ما دفع بها المدافع عن التهم في دفاعه المكتوب بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وقال في بيان ذلك ان المتهم صدرت عليه عقوبة خصم من راتبه، ومن ثم لا يجوز اعادة محاكمة المتهم مرة اخرى عن ذات الفعل، والا عد ذلك مخالفة صريحة للمادة 184 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، وقدم تدليلا على ذلك صورة ضوئية لعقوبة انضباطية صادرة من الادارة العامة للشؤون القانونية -ادارة المحاكم العسكرية- بوزارة الداخلية ان موضوع المخالفة التعدي بالقول على زميل بالعمل، وان العقوبة خصم ثلاثة ايام».المساءلة التأديبية
وبينت ان التعقيب «مردود عليه بان الفعل الواحد قد ينشأ عنه خطأ تأديبي يستوجب المساءلة التأديبية وفعل جزائي مؤثم قانونا في الوقت نفسه، والسب العلني الذي يصدر من ضابط شرطة لزميل من ضباط الشرطة في مقر عملهما التابع لوزارة الداخلية يعد خروجا على قواعد الانضباط لرجال الشرطة كافة، ومخالفة لاحكام قانون الجزاء، يجمع بين الخطأ التأديبي والجريمة، وحينئذ تتعاون قوى الدولة بجهازيها الإداري والقضائي لمكافحة تلك الجريمة لا يستقل أحدهما بالاختصاص دون الآخر، وبالتالي فانه لا تثريب على هذه المحكمة اذا عاقبت المتهم بما اسند اليه من اتهام من فعل يكون في نفس الوقت مخالفة ادارية او انضباطية دون ان تكون مقيدة بما تتخذه الجهة الادارية من اجراءات تأديبية قبل المتهم، اذ لا تنافر اطلاقا بين المسؤولية الادارية والمسؤولية الجزائية، فكل يجري في فلكه وله وجهة اختصاص غير مقيدة بالاخرى».واردفت: «وحيث انه لما تقدم وإذ كان الحكم المستأنف في محله فيما قضى به من ادانة المتهم، وما انزله به من عقوبة تتناسب مع جرمه فإنه يتعين القضاء بتأييده، وحيث إنه وعن موضوع استئناف المدعي بالحق المدني فانه لا شك في ان المجني عليه اصابه ضرر من جراء ما ارتكبه المتهم وهو ضرر ادبي والضرر الادبي يصيب الانسان في شرفه او اعتباره او عاطفته او حق من الحقوق الادبية التي لا تقدر بمال، والمقصود بالتعويض هو محو الضرر كلما كان هذا المحو ممكنا فان تعذر محو الضرر فليس يحول ذلك دون العمل على تخفيف وطأته عن طريق الحكم بالتعويض».الضرر والتعويض
وزادت: «وعلى ذلك فالضرر الادبي يكفي وحده لجواز المطالبة بالتعويض، ولا شك في ان المجني عليه اصابه ضرر في شرفه واعتباره، وقد وقع نتيجة لخطأ المتهم فيما صدر من عبارات السب موضوع الاتهام، وتقضي هذه المحكمة بتعديل مبلغ التعويض المقضي به بالحكم المستأنف الى مبلغ ثلاثة آلاف دينار تعويضا جبرا للضرر الادبي الذي لحقه».ولفتت الى انه «وحيث إن المستأنف اخفق في بعض طلباته فانه يتعين الزام المستأنف ضده بالمصروفات المناسبة على درجتي التقاضي و20 دينارا مقابل اتعاب المحاماة».