في مقابلة مع التلفزيون الحكومي السوري أخيراً، ذكر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن معظم السوريين باتوا يدركون أن مَن يواجهونهم ليسوا ثواراً يتحدون نظام الأسد، بل مجاهدون يتمتعون بدعم أجنبي ويستهدفون الوحدة الوطنية في البلاد، ولم يكن المعلم مخطئاً تماماً.

Ad

صحيح أن الدول الغربية تغالي بعض الشيء في نظرتها إلى خطر الأصولية المتشددة، إلا أن المعارضة السورية تقلل إلى حد كبير من شأنها، ويؤدي سوء فهم هذه المسألة إلى تعقيد عملية التوصل إلى حل للأزمة السورية. ناقشتُ مسألة المجاهدين المتطرفين هذه مع عدد من المسؤولين في دول غربية وإقليمية لها علاقة بالأزمة السورية، بينما كان الوضع في سورية يتفاقم على مر الأشهر الاثنين والعشرين الماضية.

على السوريين أن يفهموا أن الحكومات الغربية وبعض الحكومات الإقليمية قلقة حقا بشأن تنامي النشاط الجهادي في سورية، ولا شك أن هذه المخاوف ليست مجرد عذر تبرر به وقوفها مكتوفة اليدين، كما تدعي المعارضة، ومن هنا تبرز الحاجة إلى تفاهم مشترك لمعالجة هذه المسألة.

يشكّل المجاهدون جزءا من المعارضة المناهضة للنظام، ولكن منذ تصنيف الولايات المتحدة "جبهة النصرة" (مجموعة سلفية مجاهدة يُعتقد أنها ترتبط بتنظيم القاعدة) كمجموعة إرهابية أجنبية، تبدّل الوضع، إذ صارت كل التقارير الصادرة من داخل سورية تركّز على عقيدة هذه المجموعة وعملياتها، ومن الضروري أن تفهم الحكومات الغربية أن المجاهدين والسلفيين عموما سيزدادون قوة كلما طال هذا الوضع، وهذا واقع شدد عليه مرارا عدد كبير من الخبراء منذ بدء الصراع.

يعمل مجاهدون يملكون أجندات إسلامية متطرفة (بمن فيهم مقاتلون يُقال إنهم قدموا من 29 بلداً) بدأب للتغلغل في المجتمع السوري بتقديمهم خدمات ضرورية للمجتمعات المحلية وإعرابهم عن انضباط تفتقر إليه صفوف الجيش السوري الحر، كذلك ينجح الإسلاميون المتطرفون في تنظيم الائتلافات وتشكيلها بهدف رسم مستقبل البلد. على سبيل المثال، أعلنت الجبهة الإسلامية السورية (تحالف يضم عددا من المجموعات الإسلامية) أخيراً عن رؤيتها، التي تهدف إلى تأسيس دولة إسلامية في المستقبل.

قد تتعارض هذه الرؤية مع المستقبل الذي يحلم به معظم السوريين، لكن لا أحد يتصدى للمجاهدين لأنهم الأكثر فاعلية بين قوات التدخل الأجنبي في سورية راهناً، فقد أُرغم الكثير من الثوار في الجيش الحر على التراجع في القتال ضد الأسد، في حين أن المجاهدين ما زالوا على الجبهات.

في هذه الأثناء، بات أبرز داعمي المعارضة السورية مهووسين بالحفاظ على بنية النظام، ما جعلهم يغفلون عن الحقائق على الأرض، فمن المهم أن ندرك أن حالة النظام الراهنة (والمتوقعة في حال استمر هذا الوضع) ستكون أكثر أهمية في محاربة الأصولية مما لو انهار النظام وفاز الثوار، لكن سورية تُعتبر أرضا خصبة للأصوليات، لا بين الثوار فحسب، بل بين مقاتلي الأسد أيضا.

لا تنوي المعارضة تغيير بنية النظام جذريا، فمن الأهمية بمكان التمييز بين مؤسسات الدولة وأدوات النظام التي يستخدمها للقمع والظلم، ففي مطلع هذا الشهر، أصدر الائتلاف الوطني السوري، الذي ينتمي إلى المعارضة، خطة لمرحلة انتقالية تشمل ضمان مواصلة مؤسسات الدولة عملها، فضلا عن نظام لجمع السلاح.

بالإضافة إلى ذلك، لا ضرورة لحل الجيش وأجهزة المخابرات التي تزرع الخوف في قلوب الناس، لأن العلويين المتحكمين بهذه القوى لا يشكلون إلا أقلية، إذن، من الممكن التعاطي مع المخاوف بشأن بنية النظام بإجراء تبديلات مدروسة في قيادة الجيش ورفع هيمنة جهاز المخابرات عن مؤسسات الدولة.

لكن وعود المعارضة السورية بشأن "جمع الأسلحة" و"مواصلة مؤسسات الدولة عملها" ليست كافية، بل يجب أن تفهم المعارضة أن نوع المجاهدين الذين دخلوا سورية هو الأسوأ، لأنهم يملكون أجندة طائفية، وهم ملتزمون بالتطهير الطائفي وأعمال العنف العشوائية.

لا شك أن "هؤلاء المجاهدين ذوي النزعة الطائفية" مصدر قلق كبير بسبب التنوع الطائفي في المجتمع السوري. إلا أن القادة الدينيين والسياسيين لم يحاولوا بعد معالجة هذه الطائفية على النحو الصحيح، فقد أشار باحث سوري التقى أخيراً عدداً من القادة الدينيين إلى أن هؤلاء القادة يمتنعون عن انتقاد الطائفية مخافة أن يتعرضوا هم لانتقاد الشعب؛ لذلك نُلاحظ اليوم نزعة متنامية بين مقاتلي المعارضة وناشطيها إلى قول ما هو شائع لا ما هو حقيقي.

نتيجة لذلك، يُعتبر دور القادة الدينيين المعتدلين أساسياً في مواجهة هذه النزعة، لكن هؤلاء القادة الدينيين يستصعبون انتقاد قوى شعبية. لذلك على داعمي الانتفاضة السورية أن يُظهروا أن من الممكن العثور على بديل، فعوض الاستفاضة في التحدث عن انهيار الحكام المستبدين شبه العلمانيين، من الضروري مواجهة هذا الخطر بقوة والبحث عن حل من خلال الوسائل الديمقراطية، الوعي، واستمالة الشعب، ولكن في النهاية، يبقى الإسلاميون جزءا من واقع سياسي جديد في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة.

عندما يسقط النظام، لا يتبقى لكثيرين سبب للقتال، وعندئذٍ على القادة المحليين والدينيين المعتدلين توحيد الجهود لمحاربة التطرف، ولكن ما دام الأسد في السلطة، سيبقى المعتدلون مجرد "طيور تغرد خارج السرب".

المهم إذن: كلما طالت الأزمة، أتيح للقوات المتطرفة من كلا الطرفين وقت أطول لتتغلغل في سورية.

* حسن الحسن | Hassan Hassan