خارج السرب: مسمار الأيديولوجيات
ضع لكل معضلة تواجهك أيديولوجيتها فقط، وأمورك بالسليم وعال العال، ولكن قبل أن أنسى تذكر أن إيكاروس قد ذاب جناحاه الشمعيان عندما أخذه الغرور واقترب من الشمس، فاحذر الشموس التي مشرقها عقل ومغربها منطق.
![فالح بن حجري](https://www.aljarida.com/uploads/authors/613_1685039147.jpg)
وإن اتهمت بالمغازل في المولات فقل إنك ديوجيني من مدرسة الكلبية الفلسفية، والكلاب مثلك وشرواك تملك الوفاء لكل ما هو جميل وخشف. وإن اتهمت بالغياب عن عملك بدون عذر فقل إنك من أتباع ديكارت، والبصمة لم تفارق خيالك مطلقا، وتفكر فيها حتى وأنت نائم في سابع نومة، وما دمت تفكر إذاً أنت موجود. وإن اتهمت بمشاجرة دامية فقل إنك تناسخي محنّك تؤمن بتناسخ الأرواح، وإن روح من ضربك بالهدة قبل 25 عاما أثناء المرحلة الابتدائية قد انتقلت لجثة هذا "اللي يخز" الراقد بالعناية المركزة، وإن اتهمت بقضية مخدرات، لا سمح الله، فقل إنك ماركسي، وكنت وقت إلقاء القبض عليك تشرح لجموع البروليتاريا الرثة على القهوة كيف أن الدين "هرويين" الشعوب. وفي حال رفعت عليك قضية نفقة بعد طلاقك، فكل ما عليك هو القول، إنك ليبرالي تنويري وتؤمن بالحرية المطلقة... وبالثلاث! وإن اتهمك أصدقاؤك بالجبن وصرخوا بوجهك: "ليش ما جيت الهوشة يا الدجاجة؟"، فلا تبتئس، فقط قل لهم إنك رأسمالي من أتباع آدم سميث وتؤمن برأس المال الجبان لا بـ"راس العاير" ودجاجاته! وإن "صادوك" تبيع خمراً فارفع يدك واصرخ بعلو صوتك: يا هتلر، لتقنعهم بأنك نازي متعصب تؤمن بـ"العرق" الاسمى خصوصاً المحلي. ضع لكل معضلة أيديولوجيتها فقط، وأمورك بالسليم وعال العال، ولكن قبل أن أنسى تذكر أن إيكاروس الذي ذكرت قصته أول المقال قد ذاب جناحاه الشمعيان عندما أخذه الغرور واقترب من الشمس، فاحذر الشموس التي مشرقها عقل ومغربها منطق، فهي ما "تغشمر" أبداً. الخلاصة: مسمار جحا الأيديولوجي لا يدق إلا في كل طوفة هبيطة، أما جدار العقل فعالٍ جدا لا تستهويه كل نكات جحا ولا تؤثر فيه كل مسامير العالم.