في وقتنا الحالي إن واجهتك معضلة عويصة فاطمئن تستطيع الخروج منها بحشر "الأيديولوجيا" دوما وسط زحام "توهقك"، فالأيديولوجيا في هذا الزمان جناح من لا جناح له، هي مثل جناحي الشمع اللذين أنقذا إيكاروس الإغريقي وأباه من متاهة مينوس المستحيلة، لذلك لا تتعب ولا تحتر مولانا المتوهق، اطمئن فشمع الأجنحة ينتظرك في آخر نفق المتاهات ليضيء ليالي ورطتك الحالكة، ويغنيك عن الأعذار، ويشتّت ورطتك حتى تصيح تفاصيلها: انجُ يا نقطة فقد هلكت زبدة... الهرج! مثلا إن اتهمت بالاختلاس فـ"ضيّع السالفة" وقل إنك يساري معتّق، شعارك الوحيد هو: يا "عملات العالم اتحدوا" وإنك باختلاسك كنت تقود مسيرة التاريخ نحو الحداثة وما بعدها، وكما هو معلوم أن أولوية المرور في دوار الدينار تكون من جهة اليسار، لا من جهة اليمين وأتباعه من البرجوازية الكمبرادورية الانتهازية.
وإن قطعت الإشارة الحمراء فقل إنك نباتي النزعة و"كلوروفيلي" حتى النخاع، لا تقف إلا أمام كل ما هو أخضر، أما الأحمر وخصوصاً اللحوم الحمراء فليس وراءها إلا الجلطات والكولسترول، صحيح أنك تعرف أن اللحوم الحمراء مصدر جيد للحديد لكنها تصيب العمود الفقري بالروماتيزم، ولذلك أنت تؤمن بالحوادث المرورية بمقولة: بالحديد ولا بالعمود. وإن اتهمت بالمغازل في المولات فقل إنك ديوجيني من مدرسة الكلبية الفلسفية، والكلاب مثلك وشرواك تملك الوفاء لكل ما هو جميل وخشف. وإن اتهمت بالغياب عن عملك بدون عذر فقل إنك من أتباع ديكارت، والبصمة لم تفارق خيالك مطلقا، وتفكر فيها حتى وأنت نائم في سابع نومة، وما دمت تفكر إذاً أنت موجود. وإن اتهمت بمشاجرة دامية فقل إنك تناسخي محنّك تؤمن بتناسخ الأرواح، وإن روح من ضربك بالهدة قبل 25 عاما أثناء المرحلة الابتدائية قد انتقلت لجثة هذا "اللي يخز" الراقد بالعناية المركزة، وإن اتهمت بقضية مخدرات، لا سمح الله، فقل إنك ماركسي، وكنت وقت إلقاء القبض عليك تشرح لجموع البروليتاريا الرثة على القهوة كيف أن الدين "هرويين" الشعوب. وفي حال رفعت عليك قضية نفقة بعد طلاقك، فكل ما عليك هو القول، إنك ليبرالي تنويري وتؤمن بالحرية المطلقة... وبالثلاث! وإن اتهمك أصدقاؤك بالجبن وصرخوا بوجهك: "ليش ما جيت الهوشة يا الدجاجة؟"، فلا تبتئس، فقط قل لهم إنك رأسمالي من أتباع آدم سميث وتؤمن برأس المال الجبان لا بـ"راس العاير" ودجاجاته! وإن "صادوك" تبيع خمراً فارفع يدك واصرخ بعلو صوتك: يا هتلر، لتقنعهم بأنك نازي متعصب تؤمن بـ"العرق" الاسمى خصوصاً المحلي. ضع لكل معضلة أيديولوجيتها فقط، وأمورك بالسليم وعال العال، ولكن قبل أن أنسى تذكر أن إيكاروس الذي ذكرت قصته أول المقال قد ذاب جناحاه الشمعيان عندما أخذه الغرور واقترب من الشمس، فاحذر الشموس التي مشرقها عقل ومغربها منطق، فهي ما "تغشمر" أبداً. الخلاصة: مسمار جحا الأيديولوجي لا يدق إلا في كل طوفة هبيطة، أما جدار العقل فعالٍ جدا لا تستهويه كل نكات جحا ولا تؤثر فيه كل مسامير العالم.
مقالات
خارج السرب: مسمار الأيديولوجيات
10-05-2017