حل مصطلح "التهدئة" محلّ مصطلح "المؤزمين" الذي كانت وسائل الإعلام القريبة من الحكومة تطلقه حتى منتصف عام 2012 على أعضاء المجلس الذين كانوا يمارسون صلاحياتهم الدستورية، وبالذات أداة الاستجواب، وهو سؤال مغلّظ يوجّه لأحد أعضاء الحكومة قد يترتب عليه، في بعض الأحيان، استقالة الوزير الذي قد يُعاد توزيره مرة أخرى أو يُعيّن في منصب آخر في الدرجة ذاتها! أما المخالفات أو التجاوزات التي وردت في صحيفة الاستجواب فإنها تبقى كما هي دون معالجة، وآخر مثال على ذلك هو الاستجواب الذي قُدّم في بداية العام لوزير الإعلام والشباب حول موضوع وقف النشاط الرياضي من قَبل المنظمات الدولية.

شعار "التهدئة" معناه، على ما يبدو، تخلي أعضاء المجلس عن مساءلة رئيس الحكومة بالذات وعدد من الوزراء، حيث كانت بداية رفع الشعار عندما تم الإعلان عن الصفقة السياسية التي عقدها عدد من الأعضاء، ومن ضمنهم أعضاء جماعة الإخوان "حدس"، مع رئيس الحكومة قبل أشهر قليلة، مع أن أعضاء آخرين أعلنوا عدم التزامهم بهذه الصفقة التي سيترتب عليها تخليهم عن مسؤولياتهم الدستورية، وتحويل المجلس إلى جهاز صوري لا قيمة له.

Ad

على أي حال، وبصرف النظر عن طبيعة الصفقة السياسية التي تمت بين الحكومة وبعض الأعضاء ومدى الالتزام بها، فقد بات واضحاً أن المجلس، في الوضع السياسي الحالي سواء بالنسبة إلى قانون الانتخاب السيئ الذي ضاعف حالة التشرذم الاجتماعي، وكرّس الاصطفافات الفئوية والطائفية والعنصرية، أو بالنسبة إلى فوضى الحياة السياسية والطابع الفردي للانتخابات العامة، لن يستطيع، أي المجلس، أن يساهم بفعالية في مكافحة الفساد السياسي المؤسسي، وحل المشاكل العامة مثل أزمة البطالة، أو إصلاح التعليم والاقتصاد والصحة وتطوير الخدمات العامة، أو إصلاح النظام الديمقراطي وإخراج البلد من الدوامة السياسية، فأقصى ما يستطيع الأعضاء عمله هو تقديم استجواب معروفة نتيجته سلفاً، ثم تعود بعده الأمور إلى المربع الأول... وهكذا دواليك!

وفي ظل هذا الوضع السياسي غير المستقر والمُعرقِل للتطور والتقدم، فإنه يتبادر إلى الذهن بعض الأسئلة المُقلقة مثل: كيف، يا تُرى، سنتعامل مع الوضع الإقليمي والعالمي المضطرب، ونواجه التحديات الداخلية والخارجية الصعبة والمُعقّدة التي ساقتها الحكومة كذرائع من أجل حّل المجلس السابق والدعوة لانتخابات مُبكّرة؟ أليس في ما يجري على الساحة السياسية، نتيجة للفساد السياسي المؤسسي وفشل المعادلة السياسية الحالية، استنزاف رهيب للطاقات البشرية وجهود المجتمع، ووقته الثمين، وثروته الوطنية الناضبة؟!

الإجابات عن هذه الأسئلة سهلة ولا تحتاج إلى ذكاء خارق، وهي تؤكد، من جديد، أن الإصلاح السياسي والديمقراطي ليس ترفاً، بل حاجة وطنية مُلحّة وضرورية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن ما هو ممكن ومتاح في الوقت الحالي قد لا يكون سهل المنال في المستقبل.