أين يتعين علينا توفير التطعيم؟

نشر في 10-05-2017
آخر تحديث 10-05-2017 | 00:06
لم تصل مبادرة فيروس «الروتا» في "الهند" إلى ثلاثة عشر مليون طفل سنوياً؛ وفي باكستان لم يُطعم خمسة ملايين طفل سنوياً بيد أنه بمساعدة التحالف العالمي للقاحات والتطعيم (Gavi)، أُحضرت المزيد من اللقاحات إلى أفقر مجتمعات العالم من خلال التمويل والتدريب والتوصيل.
 بروجيكت سنديكيت في ظل تفشي مرض الحصبة حاليا في أوروبا وفي وسط غرب الولايات المتحدة الأميركية ومرض التهاب السحايا الذي أصاب طلاب الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية، أقدم خبراء الصحة على فعل شيء لم يدر في خلدهم يوما أنهم سيضطرون إلى فعله في أوائل عام 2017: ألا وهو تذكير الناس في البلدان المتقدمة أن اللقاحات تنقذ الأرواح.

ربما أصبحت اللقاحات ضحية النجاح الذي حققته؛ فهي تؤدي دورها ببراعة في حماية البشرية من أمراض معينة، حتى أن الكثيرين في الغرب قد نسوا مدى الدمار الذي كان يمكن أن تلحقه بهم تلك الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وفي ظل حالات تفشي الأمراض التي ظهرت في الآونة الأخيرة في أميركا وأوروبا، يُعاد تذكير الآباء بأن الامتناع عن تطعيم أبنائهم ما هو إلا مناورة قاتلة.

وللأسف لا يحتاج الآباء في كثير من البقاع الأخرى في العالم وبخاصة جنوب آسيا إلى التذكير بأن التطعيم ينقذ الأرواح، لكن من المؤسف أن ما يحتاجون إليه هو وجود لقاحات.

وعلى الرغم من ندرة تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها في البلدان الغربية، لطالما تتكرر مشاهد تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها في منطقة تعد موطنا لأكبر عدد من الأطفال غير المطعّمين في العالم، وفي أوائل الثمانينيات، كاد أحدنا أن يفقد طفله الرضيع إثر إصابته بمرض التهاب السحايا الجرثومي بسبب عدم وجود لقاحات في "باكستان" في ذاك الوقت، وشُفي الولد تماما ولكن ذلك يرجع إلى التشخيص المبكر والرعاية في مستشفى متميز فقط، وهو أمر بعيد المنال بالنسبة إلى العديد من الآباء في "باكستان"، وفيما بعد، تلقى أشقاء الولد تطعيما أيضا، ولكن لم يحدث ذلك إلا بعد تحضير اللقاحات في "أميركا" ونقلها باليد إلى "باكستان".

ولحسن الحظ، لم يعد من الضروري تكبد هذه المشقة في الوقت الحالي، إذ يتلقى حاليا نحو 90% من الأطفال في جنوب آسيا لقاحات ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل: التيتنوس والإنفلونزا والدفتيريا والسعال الديكي كما ازداد عدد الرضع المحميين من الإصابة بالتهاب الكبد بمعدل 60% تقريباً في العقد الأخير، وعلاوة على ذلك أعلنت ستة بلدان في المنطقة في سنة 2014 أنها خالية من شلل الأطفال عقب انطلاق حملات التطعيم واسعة النطاق، ولم يعد هناك من لم يتلق لقاح شلل الأطفال سوى أولئك الذين يعيشون في المناطق المهمشة والنائية، وغالباً ما يرجع السبب في ذلك عادة إلى تردد السكان المحليين في الإقدام على التطعيم ورفض تناوله.

وتُعبّر هذه الأرقام المتميزة إجمالاً عن معجزة على مستوى الصحة العامة، لكن هذا لا ينفي أن العديد من الأطفال لا يزالون يعانون بلا داع، ويجب أن يدفعنا أسبوع التطعيم العالمي الذي اختتم لتوه (24-30 أبريل) إلى مضاعفة جهودنا لتطعيم ملايين الأطفال في جنوب آسيا الذين لم تشملهم الحماية من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

وعلى الصعيد العالمي يموت كل دقيقة ما يزيد على أحد عشر طفلاً دون سن الخامسة، العديد منهم في جنوب آسيا، بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، وعلى الرغم من التقدم في المنطقة، يظل واحدٌ من بين كل أربعة أطفال دون وقاية من أمراض مثل، الحصبة والتهاب الكبد، وترتفع الأرقام في حالة الأمراض الفتاكة الرئيسة مثل، الالتهاب الرئوي والتهاب السحايا. ونتيجة لذلك ارتفع حاليا معدل وفيات الأطفال في جنوب آسيا إلى ما يقرب من ضعف ما كان في الولايات المتحدة منذ خمسين عاماً.

ونحن نمتلك الأدوات اللازمة لمعالجة أوجه القصور هذه، ولضمان عدم وفاة أي طفل بلا داعٍ بسبب مرض يمكن وقايته منه بالتطعيم، وبالرغم من ذلك لا بد من التغلب على العديد من العقبات كي ننجح.

أولاً: يجب أن نحل مواطن الضعف الهيكلية في النظم الصحية غير المتطورة في المنطقة عن طريق تحسين تدريب العاملين في مجال الصحة وضمان التخزين والنقل السليم للقاحات، وتطوير طرق فعالة لتوصيلها، وتعد هذه التحسينات، جنبا إلى جنب مع زيادة فعالية تبادل المعلومات في مهنة الطب، ذات أهمية كبيرة لتحسين التخطيط والمساءلة على حد سواء.

ثانيا: ينبغي علينا تبني المجابهة النشطة للأصوات المتنامية المناهضة لتلقي التطعيمات والتي تهدد بإهدار المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة، فهذه المجموعات تشيع الأكاذيب حول سلامة التطعيمات، ويمكن لهذه الأكاذيب أن تؤدي إلى أن يترك الآباء أبناءهم بدون حماية؛ فالامتناع عن التطعيم ليس فقط يُعرّض صحة الأطفال للخطر؛ بل يزيد احتمالية تفشي الأمراض التي تعرض صحة مجتمعات بأكملها للخطر.

وأخيرا: يتعين علينا مواصلة تشجيع البلدان في المنطقة على زيادة معدلات تغطية اللقاحات، وبالأخص بالنسبة إلى اللقاحات الجديدة التي أُثبتت فاعليتها في الحماية من الالتهاب الرئوي والإسهال، وهما المرضان الرئيسان المعديان القاتلان للأطفال.

وبالفعل اتخذت خطوات إيجابية لتحقيق تلك الأهداف، ففي باكستان، على سبيل المثال، أقدم المسؤولون في مقاطعة "البنجاب" على أمل حماية مليون طفل من النمط الشائع للإسهال على استحداث لقاح فيروس الروتا وفي الجوار، قامت الهند بتطعيم ما يقرب من أربعة ملايين طفل منذ انطلاق مبادرة لتوسيع تغطية لقاح فيروس "الروتا" في عشر ولايات، كما تخطط لتصل إلى 13 مليون طفل بحلول الربع الأخير من عام 2017.

ولا يزال هناك الكثير لفعله في البلدين على حد سواء، ففي "الهند" لم تصل مبادرة فيروس "الروتا" إلى ثلاثة عشر مليون طفل سنوياً؛ وفي باكستان، لم يُطعم خمسة ملايين طفل سنوياً بيد أنه بمساعدة التحالف العالمي للقاحات والتطعيم (Gavi)، أُحضرت المزيد من اللقاحات إلى أفقر مجتمعات العالم من خلال التمويل والتدريب والتوصيل. ويمكن لمسؤولي الصحة في كل مكان التعلم من المكاسب التي تحققت في هذين البلدين وتكرارها.

وإننا نعيش في الوقت الحاضر لحظة محورية في حملة التطعيم العالمي وبصفتنا أطباءَ؛ كَرّسنا حياتنا لحماية الأطفال من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، نحن نؤمن أنه بمقدور العالم وضع حد لهذه المعاناة التي لا طائل من ورائها، فقد أُثبتت فاعلية اللقاحات بصفتها أداة لتحسين صحة الأطفال ونموهم كما أن ضمان إمكان حصول الأطفال عليها يُعد هدفا يمكن تحقيقه في مجال الصحة العامة عن طريق تكاتف الآباء وأطباء الأطفال في كل مكان.

* ذو الفقار أحمد بوتا المدير المؤسس لمركز "إكسيلنس" لصحة المرأة والطفل التابع لجامعة "أغا خان" في كراتشي، باكستان، ومدير مساعد مركز"سيك كيدز" للصحة العالمية للطفل، في تورنتو، وكندا، ورئيس الرابطة الدولية لطب الأطفال.

*"نفين ذاكر" رئيس رابطة آسيا والمحيط الهادئ لطب الأطفال ومنسق الرابطة الدولية لطب الأطفال، بمقرها في غانديدام، غوجارات، الهند.

«بروجيكت سينديكيت، 2017»

بالاتفاق مع «الجريدة»

كل دقيقة يموت أكثر من 11 طفلاً دون سن الخامسة بسبب أمراض يمكن الوقاية منها
back to top